انتهاكات جسيمة بحق الأسرى المحررين في صفقة "طوفان الأحرار" الثالثة بين استعادة الحرية واستمرار الجراح
تقرير/ إعلام الأسرى

مع تنفيذ المرحلة الثالثة من صفقة "طوفان الأحرار"، استعاد العشرات من أسرى قطاع غزة حريتهم بعد فتراتٍ متفاوتة من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

لكنّ الحرية التي انتظروها طويلاً لم تأتِ كما حلموا بها، إذ خرج معظمهم بأجسادٍ منهكة، وأطرافٍ مبتورة، وأمراضٍ مزمنة، وندوبٍ لا تزول من شدة التعذيب والإذلال الذي تعرّضوا له خلال فترة اعتقالهم، ولا سيما في الشهور الأخيرة قبل الإفراج.

هذا التقرير يوثّق أبرز الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق الأسرى المحررين، ويحللها في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.

أولاً: ممارسات الاحتلال بحق أسرى غزة قبل الإفراج

استنادًا إلى شهادات الأسرى المحررين، فقد اتسمت معاملة إدارة السجون الإسرائيلية في الفترة التي سبقت الإفراج عنهم بما يلي:

1. تعذيب جسدي متواصل:

▪️ الضرب المبرح لأيام متتالية، خاصة في الأيام الأربعة التي سبقت الإفراج، وُصفت بأنها "هدية الوداع".

▪️ استخدام أدوات حادة وأعقاب البنادق في الاعتداءات، والتعمد في الضرب على أماكن الإصابات القديمة.

▪️ تعرّض بعض الأسرى لصعق كهربائي وشبح لفترات طويلة، وإجبارهم على أوضاع جسدية مؤلمة.

2. إذلال نفسي وتهديدات شخصية:

▪️ تهديد الأسرى بقتل أبنائهم وهدم منازلهم في غزة.

▪️ تلقّي أخبار كاذبة عن استشهاد عائلاتهم أو إبادتها بالكامل، بهدف تحطيمهم نفسيًا.

▪️ حرمانهم من التواصل مع العالم الخارجي ومن أبسط مقومات الكرامة الإنسانية.

3. ظروف احتجاز لا إنسانية:

▪️ الزنازين وُصفت بأنها "مقابر بلا صوت" – ضيقة، مظلمة، تفتقر إلى التهوية أو الأغطية.

▪️ حرمان من الطعام الكافي، ومياه الشرب النظيفة، وأدوات النظافة الشخصية.

▪️ توزيع البطانيات لأربع ساعات فقط يوميًا، والنوم على الأرض الباردة بقية الوقت.

▪️ انتشار الأمراض الجلدية مثل "السكابيوس" (الجرب) بسبب الإهمال الصحي المقصود.

4. الإهمال الطبي الممنهج:

▪️ وفاة عدد من الأسرى نتيجة الحرمان من العلاج.

▪️ تعمّد ترك الجرحى دون رعاية طبية، بل والاعتداء على مواضع إصاباتهم أثناء التعذيب.

▪️ إصابات أدت إلى بتر أطراف أو إعاقات دائمة لدى عدد من المفرج عنهم.

ثانيًا: شهادات الأسرى المحررين

ناجي الجعفراوي: "ما عشته في الأسر لا يوصف إلا بالموت البطيء… التجويع، التعذيب، العزل، الإذلال… كل يوم كان كأنه عام كامل".

عبد الحميد عليان: "كنا ننام على سرير حديدي بلا فرشة، معصوبي العينين طوال اليوم، لا نرى الضوء ولا نسمع إلا الصراخ".

محمود أبو صلاح: "قيدونا من الثالثة فجرًا، وهددوني بقتل أولادي… الكلاب كانت تنام فوق ظهورنا طوال الليل".

منصور عاطف ريان: "كانوا يجبرون الأسرى على ضرب بعضهم بالأحذية، ومن يرفض يتعرض للضرب الجماعي والصعق الكهربائي".

كما كشفت شهادات حديثة عن أن بعض الأسرى دخلوا السجون على أقدامهم وخرجوا منها على كراسٍ متحركة، بعد أن تعرّضوا لعمليات تعذيب قاسٍ وبترٍ في الأطراف وحرمان من العلاج، بينما خرج آخرون ليكتشفوا أنّهم فقدوا جميع أفراد أسرهم الذين استُشهدوا خلال الحرب الأخيرة على غزة، ليجدوا أنفسهم أمام مأساة مزدوجة تجمع بين الألم الشخصي والفقد الوجودي.

قال مدير عام مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية إن الأسرى المحررين الذين وصلوا إلى المجمع ظهروا منهكين وتبدو عليهم آثار التعذيب وسوء المعاملة التي تعرضوا لها داخل سجون الاحتلال “الإسرائيلي”. وأوضح أبو سلمية أن بعض الأسرى خرجوا مبتوري الأطراف، فيما يعاني آخرون من إصابات مزمنة نتيجة الحرب لم يتلقوا بشأنها أي رعاية طبية تذكر خلال فترة اعتقالهم.

أكدت المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين “تضامن”، أنّ الصور التي انتشرت مؤخرا للأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال “الإسرائيلي” تُعدّ أدلة بصرية دامغة على ما يعيشه آلاف المعتقلين الفلسطينيين من انتهاكات جسيمة ومنهجية ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة. وأشارت المؤسسة في بيان لها إلى أنّ التغيّر المروّع في ملامح الأسرى بعد الإفراج عنهم الشحوب، الهزال، الندوب، والملامح التي بدت وكأنها خرجت من تحت ركام الموت يعكس حجم التعذيب والتجويع والإهمال الطبي والإذلال الممنهج الذي يتعرض له الأسرى، ولا سيما منذ السابع من أكتوبر 2023

وشدد مكتب إعلام الأسرى على أنّ ما يجري في سجون الاحتلال يشكّل إبادة بطيئة بحق الأسرى الفلسطينيين، تُمارس بعيدًا عن أنظار الإعلام والمنظمات الدولية، في ظلّ سياسة تعتيم متعمدة تهدف إلى إخفاء الجرائم بحق المعتقلين ومنع وصول المراقبين والمحققين الدوليين.

وطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري والجاد لإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين، ولا سيّما المرضى وكبار السن والمحتجزين إداريًا والمخفيين قسرًا، باعتبار استمرار احتجازهم في هذه الظروف يشكّل خطرًا حقيقيًا على حياتهم ومخالفة صارخة لكل القواعد الإنسانية.

كما دعا الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمقررين الخاصين إلى فتح تحقيق عاجل ومباشر في الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون، وإرسال لجان تقصّي حقائق لمعاينة أوضاعهم وتوثيق ما تعرّضوا له من تعذيب ممنهج وإخفاء قسري.

هذه الشهادات تشكّل دليلًا قاطعًا على الطابع المنهجي والمنظم للتعذيب وسوء المعاملة بحق أسرى قطاع غزة، بما يتجاوز الانتهاك الفردي إلى سياسة ممنهجة من القهر والإذلال.


ثالثًا: التحليل القانوني للانتهاكات

وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وخصوصًا اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، فإن المعاملة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال تمثل انتهاكات جسيمة للمواد التالية:

1. المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع:

تحظر المعاملة القاسية والتعذيب والإهانة والاعتداء على الكرامة الشخصية للمحتجزين، أياً كانت صفتهم.

➤ الانتهاك: الضرب المبرح، التجويع، الحرمان من النظافة والرعاية الطبية.

2. المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب:

توجب معاملة الأسرى معاملة إنسانية في جميع الأوقات، وتحظر تعريضهم لأي عمل عنف أو تهديد أو إهانة.

➤ الانتهاك: التهديد بالقتل، الإهانات اللفظية، الاعتداءات الجسدية.

3. المادة (32) من اتفاقية جنيف الرابعة:

تحظر على الدولة المحتلة ممارسة أي تدابير تعذيب بدني أو نفسي بحق الأشخاص المحميين.

➤ الانتهاك: الإهمال الطبي المتعمد، حرمان المرضى من العلاج حتى الوفاة.

4. اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 (CAT):

تُلزم الدول الأطراف بمنع التعذيب في جميع الظروف دون استثناء، واعتبار التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم.

➤ الانتهاك: التعذيب المنهجي، والإيذاء البدني والنفسي الواسع النطاق.

رابعا: التزامات الاحتلال القانونية

بصفته قوة احتلال وفق القانون الدولي، تتحمل إسرائيل مسؤولية مباشرة عن:

• حماية الأسرى والمحتجزين وضمان كرامتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية.

• توفير الرعاية الطبية الكاملة وتسهيل زيارات الصليب الأحمر الدولي.

• التحقيق في جميع حالات التعذيب وسوء المعاملة ومحاسبة المسؤولين عنها.

لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بانتهاك هذه الالتزامات، بل حوّل السجون إلى أدوات قمع وإبادة بطيئة، في خرقٍ واضح لمبادئ العدالة الإنسانية ولروح القانون الدولي.

خامسا: مطالب وتوصيات

1. فتح تحقيق دولي عاجل في جرائم التعذيب والإهمال الطبي بحق الأسرى الفلسطينيين، ولا سيما من قطاع غزة.

2. إرسال بعثة تقصّي حقائق من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لزيارة السجون وتوثيق الانتهاكات.

3. إلزام سلطات الاحتلال بالسماح للمنظمات الحقوقية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول الكامل إلى المعتقلين.

4. تقديم ملفات قانونية إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) باعتبار هذه الانتهاكات جرائم حرب وفق المادة (8) من نظام روما الأساسي.

5. توفير الدعم النفسي والطبي والاجتماعي للأسرى المحررين، وضمان إعادة تأهيلهم بما يتناسب مع حجم ما تعرضوا له من تعذيب ومعاناة.

لقد كشفت صفقة "طوفان الأحرار" الثالثة الوجه الحقيقي لسياسة الاحتلال داخل السجون: تعذيب، إذلال، تجويع، وإهمال ممنهج، تُمارس بروح الانتقام والعقاب الجماعي ضد أسرى غزة.

خرج هؤلاء الأسرى من خلف القضبان  كشهودٍ أحياء على جريمة إنسانية مستمرة.  

جراحهم رسالة إلى الضمير العالمي:

أن الحرية لا تكون حقيقية ما دامت العدالة غائبة، وأن الصمت الدولي على هذه الجرائم هو شكل آخر من أشكال التواطؤ.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020