كسور في الصدر وعزلة قاسية: معاناة الأسير سعيد الطوباسي
تقرير/ إعلام الأسرى

ذهبت إنجازات الحركة الأسيرة أدراج الرياح منذ إعلان حالة الطوارئ في سجون الاحتلال بعد حرب الإبادة على قطاع غزة. اليوم، يكافح الأسرى بصبرٍ جبلي، بعدما أصبحت الحياة التي يعيشونها في السجون بدائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. العزل التام عن العالم الخارجي هو عنوان المرحلة الجارية داخل المعتقلات؛ فلا مصادر للأخبار، وتُفرض عراقيل على زيارات المحامين، وإن تحققت فالضرب سيد الموقف. أدوات النظافة شبه معدومة، وبسبب الاكتظاظ يفترش عددٌ من الأسرى بلاط الزنازين القاسي، ويلتحفون، نتيجة شُحّ الأغطية الشتوية، برد الزنزانة ورطوبتها.

التجويع يعني أمراضًا متراكمة، والحرمان من الشمس والضوء والنظافة يعني أمراضًا جلدية تَنال من أجسادهم، وفي خضم كل ذلك يقتات الأسرى على الصبر والأمل بأن شيئًا ما قد يحدث وينهي حالة الطوارئ والاستنفار والمعاملة الوحشية.

في سجن جلبوع، يعيش الأسير سعيد حسام سعيد الطوباسي (42 عامًا) من مخيم جنين معالم هذه الحياة البدائية. وتوضح والدته، في حديثها لمكتب إعلام الأسرى، ظروف اعتقاله الحالية وجملة الأمراض التي أنهكت جسده، فتقول:

"كان سعيد لا يزال يعيش على أمل أن تحمل الصفقة اسمه، وحتى بعد انتهائها كان يظن أن هناك مراحل قادمة سينال فيها حريته. دخل السجن في عمر التاسعة عشرة، واليوم أصبح في الأربعينيات بعدما ضحّى بشبابه داخل الأسر. حالته النفسية صعبة في ظل كل ما يحدث في السجون".

وتؤكد والدته أن نجلها يعاني من جملة من الأمراض؛ فالتعب ينهش جسده، وقد خسر الكثير من وزنه نتيجة حرب التجويع داخل السجون، ولا تعرف عائلته على وجه الدقة كم أصبح وزنه الآن. كما يعاني من آثار كسور في أضلاع صدره نتيجة الضرب والتنكيل، بعد استهدافه بشكل خاص – بحسب ما أفاد به زملاؤه المفرج عنهم – إضافة إلى مشكلات في الرؤية بعد أن صودرت نظارته منذ زمن، وهو يطالب بمنحه العلاج لآلامه في سجن جلبوع، دون أي استجابة من إدارة السجون.

عاش الأسير سعيد الطوباسي ملامح النضال منذ طفولته؛ فقد شهد اعتقال أعمامه وأخواله، وعرف معنى السجون مبكرًا، إذ كانوا يصطحبونه لزيارتهم حين كانت الزيارة ما تزال حقًا متاحًا. توفي والده عام 1996، وهو لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، فترك دراسته ليساعد في إعالة عائلته إلى جانب والدته وشقيقه الأكبر كمال، فتشكّلت في شخصه ملامح الإنسان العصامي. كبر وهو يتشبّع بحب الوطن وبفكرة مواجهة الاحتلال وانتزاع الكرامة.

بدأت حياة المطاردة بالنسبة إليه عام 2002، حين شنّ الاحتلال حملة اعتقالات واسعة بحق من يتهمهم بالانتماء والضلوع في العمل المقاوم. وللانتقام منه، أقدم الاحتلال على هدم منزله في مخيم جنين بتاريخ 31/10/2002.

لاحقًا تمكن من تحديد مكانه في قرية العرقة قضاء جنين، فاقتحمها واعتقله بتاريخ 1/11/2002، ونُقل على الفور إلى مركز تحقيق الجلمة. وفي عام 2003 صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد المكرر 31 مرة، إضافة إلى 50 عامًا.

هكذا انتهت حياة النضال الحر، وبدأت مرحلة الانتظار الطويل والنضال المُقيّد خلف القضبان. وخلال سنوات أسره، تمكن سعيد الطوباسي من استكمال مسيرته التعليمية، فحصل على شهادة الثانوية العامة، ثم درجة الدبلوم في الخدمة الاجتماعية، ثم بكالوريوس في تخصص التاريخ، تلاه بكالوريوس آخر في العلوم السياسية.

لم يسلم أفراد عائلته من بطش الاحتلال؛ فقد تعرض منزلهم للمداهمة المتكررة والهدم أكثر من مرة، واعتُقل جميع أبنائه في مراحل مختلفة. وقدّمت والدته، التي وقفت صامدة في وجه كل هذه الانتهاكات، اثنين من أبنائها شهداء:

أحمد الطوباسي الذي ارتقى في اشتباك مسلح في جنين عام 2006، وإسلام الطوباسي الذي استشهد عام 2013 بعد إعدامه بدم بارد، واتُّهم كلاهما بالانتماء إلى سرايا القدس. وما تزال هذه الأم الصابرة تنتظر حرية نجلها الآخر محمد الطوباسي، المحكوم بالسجن 52 شهرًا مع غرامة مالية قدرها 15 ألف شيقل، منذ اعتقاله للمرة الثانية بتاريخ 24/5/2022.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020