أسرى السابع من أكتوبر: شهادات من قلب الجحيم وصرخات مسكوت عنها

في ليلةٍ لا ينساها التاريخ، تساقطت قذائف الاحتلال على غزة، مُسجلةً نقطة تحول جديدة في حرب لم يتوقع أحدٌ أن يكون فيها هؤلاء الأسرى جزءًا من جحيم لا يُحتمل. من بين الركام، كان هناك من نجا، لكنه وقع أسيرًا في قبضة العدو. لكن لم يكن الأسير في ذلك الوقت فقط من يشهد الجرح، بل إن من بقى خلف القضبان شهدوا على أسوأ صور التعذيب والإخفاء القسري. لم تكن سجون الاحتلال الإسرائيلية هي المكان الذي سجن فيه هؤلاء، بل كانت معسكرات جحيمية لا تقيم وزنًا للإنسانية.

معتقلو غزة وصراع الأسر في قبضة الاحتلال

يبدأ هنا فصلٌ من الألم الطويل، بين الجدران الباردة والمظلمة التي تحتجز فيها أجسادٌ ملئت بالآلام وجروحٌ غير مرئية، لتصبح معاناتهم دربًا لا نهاية له من الألم والصراع.

على مدار أشهرٍ مضت احتجزتهم قوات الاحتلال دون أي محاكمة، وأجبرتهم على خوض معركةٍ يومية ضد العذاب، لتسجل شهاداتهم في دفاتر النكبة الفلسطينية، فكل أسيرٍ منهم حمل في قلبه حكاية إصرار، وحين نطقوا بالصدمة التي مروا بها، اختلطت أصواتهم مع صرخات من سبقهم في السجون، ليصبح الألم وجعًا جماعيًا لا يمكن أن يُمحى.

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان أكثر من ألفي فلسطيني، رجالًا ونساءً، وأطفالًا، ضحايا لجريمة الاحتلال التي استهدفتهم بموجةٍ من الاعتقالات التعسفية، لتبدأ رحلةً طويلة من الظلام. كانت سجون الاحتلال مليئة بكل أصناف القهر والتنكيل؛ حيث كان الأسرى يعيشون أيامًا لا تعرف للوقت وجهًا، يعيشون مع ساعاتٍ تمر كسكاكينٍ حادة لا تفارق أجسادهم.

شهادات من قلب جحيم المعتقلات وسجون الاحتلال

"لا رحمة في قلوبهم، لا صغار ولا كبار"، بهذه الكلمات بدأ أسيرٌ سابق يتحدث عن محنته، وهو يذكر تفاصيل التعذيب الذي تعرض له في أولى أيام اعتقاله، من الضرب المبرح إلى تجويعٍ طال أيامًا دون طعام، كانت السجون أماكن سلب الأرواح قبل أن تُسلب الأجساد.

ويضيف آخر أنه تم اجباره على الوقوف ساعات طويلة في أوضاعٍ مهينة، بينما كانت أصوات الضرب والشتائم تتناثر في أرجاء الزنازين. لم يكن يستطيع التحرك، وكان كل شيء حوله يحكي قصة من العذاب المستمر.

"العدد" ما كان يُسمى بالروتين اليومي لعد الأسرى وإذلالهم  ، كان يفرض على الأسرى الاستلقاء على بطونهم لعدة ساعات دون القدرة على تحريك أجسادهم، وإذا حاول أحدهم مخالفة الأوامر، كان يُعاقب بعقوبات شديدة قد تصل إلى الضرب حتى يفقد وعيه، أما أولئك الذين تم نقلهم إلى معسكرات الاحتلال البعيدة، فقد عاشوا في سجون تتصف بالقسوة المُفرطة، حيث تعرضوا لحالات من الإهمال الطبي، ورفض علاج الجروح الناجمة عن التعذيب.

كانت عمليات بتر الأطراف جزءًا من مشهدٍ يومي، وعند كل جرحٍ، كان الأطباء يتجاهلون المصاب، بل أحيانًا كانوا هم من يتسببون في إلحاق الأذى بالأسرى.

هناك أطفالٌ كان الحزن في أعينهم من أعمق العذاب، كان من بينهم من لم يعرف سوى الجدران الحديدية، ولم يسمع سوى صرخات المعاناة التي تنبعث من زملائه، لم يكن الأطفال بمأمنٍ من الموت البطيء الذي يعيشه الأسرى في كل لحظة، فقد كانت القسوة في المعاملة تصل بهم إلى حد الإجبار على الوقوف لساعاتٍ طويلة، ومن ينهار منهم يتم ضربه.

أما النساء، فقد عانين من أشكال متعددة من الانتهاكات، كثيرات منهن تم تجريدهن من ملابسهن وتعريضهن للتفتيشات المذلة في مشهدٍ مهين يُضاف إلى سلسة الممارسات الوحشية التي لم تفرق بين صغير أو كبير.

أما في ما يخص الاعتقال الجماعي، فقد تم أخذ العديد من الأسرى إلى أماكن مجهولة لفترات طويلة، واحتُجزوا في زنزاناتٍ مكتظة و يتم تكبيلهم لأسابيع، ويحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية.  

حيث أكد مكتب إعلام الأسرى: "إن الهيئة الصعبة التي يخرج بها الأسرى تكشف حجم الجرائم والانتهاكات داخل السجون، حيث بدت آثار التعذيب والقهر واضحة على أجسادهم، ما يستدعي موقفًا حازمًا لمحاسبة الاحتلال على جرائمه من المجتمع الدولي".  

وبين أن : "إسرائيل تحللت من كل الالتزامات والقواعد والقيم والأخلاق، وما يحدث لأسرى غزة غير مسبوق ولم يسمع عنه إطلاقًا".  

في هذه السجون القاسية، حُفرَت أسماءُ هؤلاء الأسرى في جدرانها كما يُحفر الجرح في قلب الوطن، جروحٌ لا تشفى بسرعة، وذكرياتٌ لا تنسى، فكل أسير منهم أصبح شهادةً حيةً على استمرار قمع الاحتلال، وصمود الإنسان أمام أصعب الظروف.  

في لحظات الشدة، لا يكون للأسرى خيار إلا أن يصروا على الحياة، وعلى أن يظلوا رموزًا في وجه عدوٍ لا يعرف إلا لغة القوة.

أصواتهم ستظل صادحة في ذاكرة الأحرار، تذكرهم بأن هناك دروبًا لا تُغلق، وأن لا شيء يمكن أن يسكت الحق مهما تعاظمت معاناتهم، وكما أن دماء هؤلاء الأسرى ستكون وقودًا لحلم الحرية، فإن أرواحهم الحرة ستظل ترفرف فوق سجون الاحتلال، لتؤكد أن الحق لا يضيع أبدًا، وأن الحرية هي الأمل الذي سيجعل النصر في النهاية حتمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020