بين جبال المكبر وأشجار زيتونه الراسخة تُحكى قصص مقاومة عريقة تحفر في صخور القدس وأزقتها ومساجدها، ومن بينها حكاية أسد هصور رفض تناسي جرح وطنه وأقصاه.
الأسير فهمي عيد مشاهرة (٤١ عاما) لبى نداء وطنه مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، فكان منتميا لكتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس، ونفذ من خلالها أعمال مقاومة تمثلت في إرسال استشهادي إلى مكان تنفيذ عمليته في الداخل المحتل عام ١٩٤٨.
وفي الرابع من أيلول/ سبتمبر من عام ٢٠٠٢ تمكن الاحتلال من اعتقاله؛ وحينها تعرض لتحقيق قاس استمر قرابة الشهرين تعرض خلاله للضرب والتعذيب النفسي والجسدي، ولكنه كان صلبا قويا وتحمل لأجل قدسه كل شيء شعاره في ذلك "القدس في العيون نفنى ولا تهون".
تقول زوجته أم عبيدة لـ مكتب إعلام الأسرى إنها حين اعتقل كانت حاملا بطفله عبيدة في الشهر الثامن، وكانت لديهما ابنتهما زينة بعمر العام وثمانية أشهر.
بقيت العائلة تعيش على أمل عودة أبي عبيدة إلى منزله؛ ولكن الحكم الذي صدر عليه كان كالصاعقة؛ حيث تم الحكم عليه بالسجن المؤبد ٢٠ مرة، وحينها بقيت العائلة تعيش على أمل الحرية بصفقة مقاومة مشرفة بعد توفيق الله تعالى.
وتؤكد أم عبيدة بأن العائلة قررت أن الحكم الخيالي هذا سيقهر ولن يكدر صفوها ولن يمحو الابتسامة من المنزل، وبالفعل صبرت وصابرت رغم كل ما مرت به من ظلم وتجبر على يد الاحتلال.
ولم يكد يغيب الأسير فهمي لعدة أشهر داخل السجن حتى قرر الاحتلال هدم منزله ففعل، ثم اعتقل شقيقه رمضان وحكم عليه بالسجن المؤبد كذلك.
ولكن الأمل يولد رغم القهر؛ فبعد شهر وقليل من اعتقاله ولد عبيدة نجل الأسير؛ وفرحت العائلة بولادته رغم أنه لم يعرف أباه أبدا ولم يره إلا خلف القضبان.
إصرار وأمل
هذه العائلة الصابرة قررت أن تصنع الفرح بأي شكل، ففي عام ٢٠١٣ في شهر ديسمبر تحديدا رأت الطفلة "عزيزة" النور؛ وهي ابنة الأسير فهمي ولكن من نطفة مهربة من داخل السجون، لتكون أول طفلة مقدسية تولد على أعتاب بيت المقدس من نطف مهربة.
ولأن الاحتلال يحب تنغيص كل شيء، اعتقل زوجة الأسير في عام ٢٠١٥ أثناء توجهها لزيارة زوجها برفقة طفلتها عزيزة، وحكم عليها بالسجن لمدة ١١ شهرا في محاولة لتركيع العائلة.
ولكن الإرادة كانت أقوى من كل شيء، ففي عام ٢٠١٨ رزق الأسير من جديد بطفل أسماه عيد من نطفة مهربة كذلك، ليكون إعلان حرية جديدة وشعاع نور يتسلل بين الظلام.
ورغم كل ما مرت به الزوجة الصابرة إلا أنها بقيت على العهد فلا اعتقال زوجها ولا هدم منزلها ولا اعتقالها ولا استشهاد شقيقها وقف عائقا أمام تربية أبنائها؛ فكبرت زينة الطفلة الأولى للأسير وتزوجت وأنجبت حفيدته الأولى مريم، كما كبر عبيدة وأصبح طالبا جامعيا، وها هما عزيزة وعيد يكبران على أمل الحرية القريبة.
أما الأسير فلم يضيع فرصة داخل السجن حتى استغلها، حيث حصل على دورات عديدة وشهادات كثيرة في مختلف المجالات، وقام بتأليف كتاب بعنوان " الحياة الثالثة ما بين الدنيا والآخرة" وبرع في تشكيل المجسمات والتحف الفنية وخطه العربي الجميل.
يحاول الاحتلال حتى الآن التنغيص على العائلة حيث يحرم نجله عبيدة من الحصول على الهوية والرقم الوطني ما يحرمه من دخول القدس مدينته، كما رفض في إحدى المراحل زيارة عزيزة وعيد للأسير بحجة عدم وجود صلة قرابة لأنهما ولدا عن طريق النطف المهربة، فطلب الأسير إخضاعه لفحص الحمض النووي وكانت هذه فرصة لديه لرؤية عائلته دون قيود وقضبان وهواتف.