ما زال صدى صفقة وفاء الأحرار التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية في الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011 وحررت خلالها مئات الأسرى والأسيرات؛ يتردد في الصورة المتكاملة لآمال وطموحات الشعب الفلسطيني الذي انتظر كثيرا حتى تحققت أحلامه بالحرية حينها، وما تزال الأمنيات تُعقد كي يتحرر بقية الأسرى بصفقة مماثلة تزيد الفلسطينيين ومقاومتهم رفعة وشرفاً.
وتعتبر هذه الصفقة الأولى التي تتم على أرض فلسطينية بعد نجاح المقاومين في قطاع غزة بأسر الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط" عام 2006 من على متن دبابته العسكرية التي جاء فيها مهاجما للأطفال والنساء والشيوخ، فمكث خمسة أعوام في قبضة المقاومة التي أرهقت الكيان الصهيوني وخنقت أنفاسه بل وصمدت خلال عدوان مقيت عام 2008 فشل في استعادته، حتى أرغمت المحتل على عقد هذه الصفقة وتحرير أكثر من ألف أسير وأسيرة خلالها.
ذكرى الأمل
وتعود ذكرى عقد الصفقة بالكثير من مشاعر الأمل التي تتجدد في عروق الأسرى وعائلاتهم وتعيد لهم الثقة بمقاومة لا تنسى حقهم في الحرية واحتضان أهلهم وأطفالهم والعيش بكرامة، وحتى لو حاول الاحتلال في الضفة تفريغها من مضمونها بإعادة اعتقال المحررين فإنه لم يستطع سلب الثقة من مقاومة قدمت الأرواح في سبيل الله لتتمكن من رسم البسمة على وجوه الكثيرين.
وفي منزل أيقونة الصبر وعميد الأسرى الفلسطينيين القائد نائب البرغوثي من كوبر شمال رام الله تتجدد تلك المشاعر وتعيد ذكريات جميلة تصاحبت مع تحريره للمرة الأولى بعد أكثر من 30 عاما من الاعتقال، لتعانق روحه الحرية ولتهتف من جديد باسم الوطن فلسطين البوصلة الأولى والوحيدة.
وتقول زوجته الأسيرة المحرر إيمان نافع لـ مكتب إعلام الأسرى بأن تاريخ الثامن عشر من أكتوبر من كل عام هو بالنسبة لهم تحقيق أمل عانق مئات الأسرى ومنهم المحكومون بالسجن مدى الحياة والذين أراد لهم الاحتلال البقاء في السجون لسنوات طويلة جدا.
وتعتبر بأن الصفقة شكلت وحدة جغرافية لخريطة فلسطين حين استطاعت تحرير عدد كبير من الأسرى من كافة المناطق الفلسطينية؛ فهي كانت هدفا وتحقق على أرض فلسطين بسواعد المقاومة وبتضحيات لا يمكن أن ينساها الشعب وخاصة أهالي الأسرى.
وتضيف:" نحن نعلم أن الحرية التي عشنا فرحها وتفاصيلها استشهد لأجلها الكثيرون في الإعداد والتنفيذ وحتى ما بعد ذلك من عدوان متواصل، لذلك لا يمكن أن تكون ذكرى الصفقة مجرد مناسبة عادية بل هي نتاج تضحيات متكامل ونتاج جهد عظيم لا ننساه ونقدره جيدا".
وتبين بأن صورا من ذكرى الصفقة لا يمكن أن تُنسى مثل تحقيق الحرية للأسيرة أحلام التميمي التي قال الاحتلال إنها لن ترى النور مجددا وتحرير عشرات الأسيرات اللواتي حكمن بالسجن المؤبد وقتها، وكذلك لم شمل العائلات وتحقيق أحلامها بالفرحة التي عاشتها.
وعلى الجانب الآخر ما زالت عشرات العائلات في الضفة والقدس المحتلتين تعيش غصة مع حلول الذكرى، فالاحتلال حاول أن يُجهز على هذا الانتصار بإعادة اعتقاله للمحررين للضغط على المقاومة من أجل إجبارها على تسليم الجنود الأسرى لديها في معركة العصف المأكول تماما كما فعل قبل ذلك من ضغوطات هائلة، ولكن عائلات الأسرى تعتبر أنه ثمن يجب دفعه تمهيدا لفرحة أكبر وأعمق.
وتوضح نافع بأن العائلات في البداية شعرت بالصدمة حين تم اعتقال المحررين؛ ولكنه احتلال يتوقع الفلسطينيون منه أي شيء لوأد فرحتهم، فالأسير نائل البرغوثي سيدخل بعد أقل من شهر عامه الأربعين في السجون لم ير منها سوى 32 شهرا من الحرية منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره.
وتبين بأن الاحتلال تخبط باعتقالهم لأنهم لم يخرقوا شروط الإفراج وكانوا آمنين في بيوتهم ولكن تم اعتقالهم ضعفاً وحقدا وقهراً، معتبرة أن الاحتلال يرى نفسه فوق القانون ولا يوجد من يردعه عن إرهابه.
وتتابع:" رغم إعادة الاعتقال إلا أنتا وبفضل الله نعلم تماما أن هناك من هم حريصون على صناعة غد أجمل ويحرصون على تحقيق الحلم الفلسطيني بالحرية ليل نهار ولم ينسوا معاناة الأسرى وعائلاتهم".
ورغم قيادتها لحملة دولية للتعريف بزوجها الأسير القائد أبو النور إلا أنها ما زالت تشعر بتخاذل دولي تجاه قضية الأسرى.
وتقول:" رغم تواصلنا مع مختلف الجهات الدولية وعبر الطرق الرسمية والشعبية إلا أن العالم ما زال متفرجا للأسف وما زال لا يقوم بواجبه لنصرة الأسرى، وحتى لو كان هناك أي ضغط من طرفه فهو غير كاف لضمان حرية المعتقلين، وكنا نتوقع نتيجة أكبر لمثل هذه الحملات ولكن للأسف المجتمع الدولي ما زال منحازا للاحتلال وطالب سابقا بحرية شاليط متجاهلا معاناة آلاف الأسرى لذلك لم نعود نعول إلا على المقاومة الفلسطينية بعد الله تعالى".
إنجاز وطني
ويرى المراقبون بأن صفقة وفاء الأحرار شكلت نقطة تحول هامة في تاريخ النضال الفلسطيني، حيث حققت وحدة الوطن وفصائله وحولت قضية تحرير الأسرى من حلم إلى حقيقة.
بدوره يعتبر وزير شؤون الأسرى الأسبق المهندس وصفي قبها بأن الصفقة إنجاز وطني كبير جدا يمكن تشبيهه بحجم بناية سكنية ذات مناظر جميلة؛ والتي شكلت أملا بالنسبة للأمة جمعاء.
ويقول لـ مكتب إعلام الأسرى بأن وفاء الأحرار أحيت نفوس الأسرى بعد موات وأصبح الطريق واضحا وصولت البوصلة نحو تحرير الأسرى، وكيف من الممكن أن تكون بشكلها الواضح، وأن الحرية لا تستجدى أو تتحقق من خلال مفاوضات مهما طالت.
ويضيف:" الصفقة أعادت التأكيد على أن الحرية تنتزع انتزاعا من خلال صفقات تبادل وليس عن طريق طرق طويلة ملتوية تنتقص من حقوق الأسرى وعائلاتهم".
وفيما يتعلق بإعادة الاحتلال اعتقال الأسرى المحررين في الصفقة يؤكد قبها أنها نقطة ضعف لدى الاحتلال وليست نقطة قوة لأنه تم إجباره وإرغامه على إنجاز الصفقة وتحقيق مطالب المقاومة بحرية الأسرى.
ويضيف:" نعلم كم عدد الأسرى من أصحاب الحكم العالي والمؤبدات الذين تحرروا وانتزعوا قيد السجان رغما عنه خلال صفقة برعاية دولية، فهو أراد أن يعوض نقطة ضعفه بإعادة اعتقال تلمحررين وكأنه يريد لي ذراع المقاومة، ولكنها صامدة ثابتة وأعادت الكرة من جديد".
ويبين بأن المقاومة كما عودت الشعب هي دوما بالمرصاد والأسرى على أجندتها كما حصل في معركة العصف المأكول، والكل يعلم أن لديها المزيد ودوما حرية الأسرى هدفها وخاصة الذين أعيد اعتقالهم، حيث ترفض فتح ملف الجنود الأسرى إلا بالإفراج عن محرري الصفقة وهذا بحد ذاته وفاء للأسرى وصمود عائلاتهم.
معلومات عامة
تضمنت صفقة وفاء الأحرار الإفراج عن 1055 أسيرا وأسيرة مقابل جندي صهيوني واحد، وهي النسبة الأعلى التي تتمكن خلالها المقاومة الفلسطينية من تحريرها بهذه المعادلة.
ونفذت الصفقة على ثلاث مراحل؛ الأولى في شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2010 حين تم تحرير 20 أسيرة فلسطينية بأحكام مختلفة مقابل بث شريط مصور مدته دقيقتان للجندي شاليط وهو في قبضة المقاومة، والمرحلة الثانية الأكبر والتي نفذت يوم الثامن عشر من أكتوبر عام 2011 بتحرير أكثر من 477 أسيرا، بينما شملت المرحلة الثالثة تحرير 550 أسيرا في ديسمبر من العام ذاته، توجه ٥٠٥ منهم إلى الضفة المحتلة و41 محررا إلى قطاع غزة.
وتضمنت الصفقة كذلك الإفراج عن 44 قائدا من أصل 50 أسيرا من قادة المقاومة الذين كانت تتعنت في الإفراج عنهم مثل القائد يحيى السنوار وروحي مشتهى وماجد أبو قطيش وجهاد يغمور وجهاد عطون وغيرهم الكثير، حيث ذكرت وسائل الإعلام الصهيونية بأن الصفقة شملت الإفراج عن أسرى قتلوا ما مجموعه 1200 صهيوني.
وحققت الصفقة كذلك وحدة الوطن الفلسطيني الواحد؛ حيث تم تحرير أسرى من كافة المناطق الفلسطينية المحتلة كالضفة والقدس والداخل وحتى الجولان المحتل إضافة إلى قطاع غزة، كما تضمنت الوحدة الوطنية بالإفراج عن أسرى من مختلف الفصائل الفلسطينية لتشكل انعطافا مهما في التاريخ الفلسطيني ومقاومته الباسلة.