نشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية أمس تقريرين هامين حول الانتهاكات المستمرة لحقوق الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية ، الأول صادر عن جمعية المحامون العامون في اسرائيل، و يناقش أوضاع الأسرى بشكل عام ، و تحديدا الأسرى الجنائيين، و الثاني هو عبارة عن كشف خاص للصحفي الإسرائيلي جوش براينر في هآرتس حول الاعتداءات التي تمت ضد أسرى سجن النقب في 24/3/2019، فهل سيستخدم الفلسطينيون و مؤسسات حقوق الانسان هذه التقارير لإدانة إسرائيل على كافة المستويات و الدفاع عن الأسرى ؟
أثبت تقرير المحامون العامون ما كان يدعيه الأسرى الفلسطينيين في مسائل كثيرة جدا، و من أهمها على سبيل المثال : الإهمال الطبي الذي أدى في الفترة الأخيرة لاستشهاد فارس بارود في سجن رامون ، و الازدحام و الاكتظاظ المستمر رغم بعض إجراءات مصلحة السجون الاخيرة باتجاه التخفيف منه ، و استخدام الكلبشات و القيود لفترات طويلة و مبالغ فيها ، أما عن معاناة البوسطة " سيارات نقل الأسرى الكريهة " فحدث ولا حرج، وقد أكد التقرير انتهاكات التفتيش العاري ( للردع و كسر الروتين ) و الذي نجح الأسرى الأمنيون في الفترة الأخيرة وبعكس الجنائيون في الحد منه بسبب الاحتجاجات و الاضرابات المنظمة ضده .
مما لا شك فيه بأن " يهودية " كثير من الأسرى الجنائيين قد أسهمت بصورة كبيرة جدا باهتمام مؤسسات اسرائيلية حقوقية في متابعة الانتهاكات ضد الأسرى و نشر هذا التقرير الهام ، فالجهة المستهدفة بالدرجة الأولى هي الأسرى اليهود ( وعلى الطريق ) ضمت و شملت الأسرى الفلسطينيين الأمنيين في سجون الاحتلال، حيث لا يستطيع التقرير تجاهله أو استثنائهم رغم عدم الإشارة إليهم بشكل خاص .
في مقابل هذا فقد كشفت صحيفة هآرتس أمس و من خلال إجراءها مقابلات مع شخصيات اسرائيلية وازنة فيما يسمى جهاز فرض القانون و ضباط كبار في إدارة السجون حجم الانتهاكات و الاعتداءات التي تمت ضد أسرى سجن النقب في يومي 24 و 25 مارس 2019 ، و التي وصفتها مصادر هآرتس ( بالانتقامية ) على خلفية طعن اثنين من شرطة السجن اللذين نفذا أوامر وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان العقابية ضد الأسرى ، و التي حاول دون جدوى قطع اتصال و تواصل الأسرى مع عائلاتهم بواسطة تركيب أجهزة تشويش ضارة بالصحة و بمعدات الاسرى كالراديو التلفزيون .
من المهم الإشارة إلى ما أقر به مصدر كبير في إدارة السجون وقد رفض الكشف عن إسمه لصحيفة هآرتس من أن ما شاهده على كاميرات السجن من اعتداءات على الاسرى كان وحشيا و بدون أدنى مبرر، و بعد أن تمت السيطرة الأمنية تماما على السجناء، يشار إلى أن الاعتداءات أدت لنقل 15 أسيرا فلسطينيا لمستشفى سوروكا في بئر السبع ، بعضهم عن طريق طائرات سلاح الجو الاسرائيلي لخطورة وضعهم الصحي، عرف منهم على سبيل المثال مصعب أبو شخيدم وسلمان مسالمة و إسلام وشاحي .
و الأخطر من ذلك هو إشارة الضابط الكبير لمحاولة القيادة الرسمية العليا لإدارة السجون إسكات التحقيق بهذا الشأن، من خلال المماطلة والتباطؤ و تمييع الإجراءات المطلوبة ، علماً أن هذه الطريقة في التعامل مع ملفات الإنتهاكات ضد الأسرى هو أسلوب إسرائيلي شائع للتملص من أدنى مستويات العقاب .. هكذا إذن أكدت مصادر كبيرة من داخل سلطات الاحتلال معظم أركان و تفاصيل رواية الأسرى الفلسطينيين حول اعتداءات النقب .
إن التقريرين السابقين صارخين نحو عنان السماء بأوضاع الأسرى الصعبة للغاية ، و رغم صبر الأسرى و مواجهتهم لذلك بثبات و صمود، و رغم ثقتهم بشعبهم و مقاومتهم كرموز فلسطين النضالية، ولكن ما هو المتوقع من أن يقوم به أحرار ووطنيو الشعب الفلسطيني و العالم ؟ و ما هو الواجب المأمول من مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة ؟ ألم يحن الوقت لوضع حد لمعاناة الأسرى بالإفراج عنهم أولا و بالتخفيف عنهم ، و إدانة جلاديهم حتى ذلك الحين .