منذ أربعة أعوام اختلف مذاق الشهر الفضيل وتغيرت أجواؤه على عائلة عويسات المقدسية التي تقطن جبل المكبر شرق القدس المحتلة، فرأس الهرم فيها تعرض وقتها للاعتقال عام 2014 وحكم بالسجن لمدة 30 عاما لتتبدل الأحوال والظروف ويخيم الحزن عليها.
ولكن في هذه المرة ازدادت الأوضاع توتراً لديها؛ لم تعد تعرف للأيام شكلا ولا حياة بينما صارع رب الأسرة الموت في مستشفيات الاحتلال.. وفي نهاية المطاف وفي مساء الرابع من رمضان لاقى الأسير عزيز عويسات (53 عاما) ربه يشكو ظلم الظالمين وصمت الصامتين.
بداية الجريمة
في الثاني من أيار الحالي نشر الاحتلال خبراً مفاده أن أحد الأسرى قام بسكب الماء المغلي على أحد السجانين ما أدى إلى إصابته بحروق، كان ذلك الأسير عزيز عويسات في سجن "إيشل" الصهيوني.. الاحتلال قام بنقله إلى العزل الانفرادي دون أن يعاني من أي خدش أو ألم، وانقطعت الأخبار منذ ذلك الحين عنه حتى بين أوساط الأسرى.
بعد أيام قليلة علم الأسرى أن الأسير عويسات تم نقله إلى عيادة سجن الرملة بسبب معاناته من ظروف صحية لم يفصح عنها الاحتلال في البداية، ليتبين لاحقا أن الأسير عانى من نزيف دماغي.
ويقول مفيد نجل الأسير لـ مكتب إعلام الأسرى إن الاحتلال علم منذ البداية بإصابة والده بحالة نزيف دماغي ولكنه لم ينقله فوراً إلى المستشفى بل إلى عيادة سجن الرملة التي تفتقر لأي مقومات طبية لمثل هذه الحالات، ما أدى إلى التدهور الكبير في حالته، وحين شعرت مصلحة السجون الصهيونية أن الأمر أخطر بكثير من مجرد عيادة الرملة قامت بنقله إلى مستشفى "تل هشومير" في الداخل المحتل عام 1948، وأجرت له عملية قلب مفتوح رغم أنها تعلم أن جسده قد لا يحتمل ذلك.
ويضيف نجله:" تم نقل الوالد إلى المستشفى ونحن لا نعلم أي شيء عن حالته، فقط تم إبلاغنا عن طريق المحامي بأنه يعاني من نزيف في الدماغ، بعد جهد طويل سمحوا لنا بزيارته لدقيقتين فقط وقالوا إنه يعاني من جلطة دماغية ولم نفهم ما وضعه الصحي سوى أنه خطير للغاية".
خلال الزيارة لاحظ مفيد وشقيقه فادي أن والدهم تعرض للضرب وذلك عبر كدمات ملأت منطقة الكتف امتدادا إلى رقبته، ليتعزز الشك بأن الأسير تعرض للضرب القاسي والعنيف على مناطق حيوية في جسده ما أدى إلى إصابته بهذا الوضع الخطير، ورغم كل هذا الوضع الصحي المتردي فإن الاحتلال كبله بسرير المستشفى من يده وقدمه.
تكتم الاحتلال حمل الكثير من الألم للعائلة فوق ما تعيشه من حالة قلق مستمرة، وقبل استشهاده بساعات كان لنا هذا الحديث مع نجله الذي قال:" الله فقط يعلم كيف تمر الأيام علينا، رمضان لا نشعر به ولا نذوق طعما لأي شيء، مع كل جرس للهاتف تنقبض قلوبنا خوفاً ولو أننا نعرف ما به لشعرنا بالاطمئنان قليلا خاصة أنه ما زال مزودا بأنبوب تنفس صناعي".. مضيفا بأن العائلة ملّت من المناشدات والاستغاثات لأن الاحتلال يمنع أي مؤسسة من الحصول على تقرير طبي لحالة الأسير أو مساعدته بأي طريقة.. مختصرا حالة الألم التي يعيشون بـ "حسبنا الله ونعم الوكيل".
نقل الأسير إلى مستشفى "أساف هروفيه" وسط حراسة مشددة، وفي آخر البيانات الصادرة قبل استشهاده قال المحامي خالد محاجنة إن وضعه في تدهور مستمر وإنه خضع قبل يومين لصورة رنين مغناطيسي أظهرت أن لديه فشلا في الكثير من أعضائه الداخلية وأن لديه التهابا حادا على الرئتين، ما زاد من قلق العائلة وحالة التوتر الكبرى التي تعيشها.. ولكن هذا الأمر لم يطل حيث أعلنت إدارة السجون استشهاده دون أن تعترف بالطبع بما اقترفته بحقه من اعتداء وتنكيل ليثير موجة غضب واسعة في صفوف الأسرى والشارع الفلسطيني لكنها لم تترجم على الأرض.
سيتكرر المشهد
وزير شؤون الأسرى السابق المهندس وصفي قبها يعتبر أن عداد الشهداء لدى الحركة الأسيرة مرهون بردة فعل الأسرى والمستوى الرسمي والفصائل.
ويقول في حديث خاص لـ مكتب إعلام الأسرى إن المشهد سيتكرر مجددا وسنظل نستقبل أسرانا بأكياس سوداء إذا لم تكن هناك ردة فعل حقيقية غاضبة ابتداء من الحركة الأسيرة، مبينا أن 216 أسيرا استشهدوا حتى الآن في ظروف مختلفة ولم تحدث ردات فعل مناسبة لحجم هذه الجرائم.
ويضيف:" ماذا يعني أن يطرق الأسرى على الأبواب ثم يأتي ضابط السجن ويحل الأمور بهدوء؟! ماذا يعني أن يسمحوا لهم بإقامة الأذان في الساحات كي يمتصوا غضبهم؟! سيتكرر المشهد إذا بقي هذا الحال وسيبقى الشارع يهتف بالروح بالدم ولا يفعل شيئا بل هو في برود قاتل".
ويرى قبها أنه ما لم يكن هناك ألف حساب لحياة كل أسير فسيتكرر المشهد قريبا، فالأسير المريض معتصم رداد يصارع الموت مثلا ولن تنقذ حياته ردات الفعل الباردة هذه.
ويوجه الوزير السابق انتقادا للمستويات الرسمية التي تكتفي بالبيانات ومتابعة حالة الأسير وفقا لما ينقله المحامون؛ وحين يستشهد تخرج التصريحات الرنانة مثل "فاتورة الحساب كبرت" أو "لن يضيع دمه هدرا"، ثم تذهب الشعارات أدراج الرياح.
ويتابع:" هذه الشعارات فقط للاستهلاك المحلي وأصبحت كلاشيهات مبتذلة، يجب أن يفكر الاحتلال ألف مرة قبل أن يؤذي حياة أسير أو يتعرض له بأي سوء واعتداء، فالأسير عويسات تعرض لضرب مبرح وحدث له نزيف ثم جلطة وتم تحويله للمستشفيات وتقوم المستويات الرسمية فقط بتناقل أخباره".
ويوضح بأن الأسير الشهيد عويسات قام برشق سجان بالماء الساخن ردا على ما يحدث خارج السجون وبعدها اتفق الأسرى مع إدارة السجون على نقله فقط إلى العزل دون التعرض له بالاعتداء، ولكن بالطبع قام الاحتلال بالإجهاز عليه، فوفقا لشهادات الأسرى حين نقل إلى عيادة الرملة كان غير قادر على الحركة أو التنفس ومغمى عليه وواضحة الكدمات على جسده.
ويشير إلى أنه خلال السنوات الأخيرة استشهد سبعة أسرى على الأقل من أبو حمدية إلى جرادات إلى حمدونة وحماد وفي النهاية تخرج الشعارات الجاهزة للتنديد والشجب منذ عام 1967.
ويختم قائلا:" منذ عام 2014 نفذ أكثر من 15 إجراء عقابيا بحق الأسرى دون أن تتحرك الحركة الأسيرة أو المستويات الرسمية أو الفصائل بشكل جدي لإنهاء معاناتهم بل تتحول كل الأمور لصلحة عرب داخل السجون وتغلق كل الملفات".