في مقبرة تحقيق المسكوبية لا أحد يعلم تماما ما الذي يحدث إلا من جرب ذلك، هناك الطلبة الجامعيون والأسرى المحررون والنشطاء والأطفال والفتية الذين تُنتزع حريتهم وأوقاتهم وأحلامهم كي يكونوا جزءا من منظومة جهاز "الشاباك" الصهيوني الخاصة بالهوس الأمني.
وقد يتعجب أحد لماذا يعلن الكثير من الأسرى إضرابهم عن الطعام خلال التحقيق معهم في هذا المركز سيء الذكر، ولكن الظروف التي تصاحب الاعتقال والتحقيق كفيلة أن تجيب عن هذه الأسئلة وتبدد أي تعجب.
مطاردة واعتقال
في شهر آذار الماضي اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة ربيع في بلدة بيت عنان إلى الشمال الغربي من مدينة القدس المحتلة، لم تتخيل العائلة أن نتيجة الاقتحام الوحشي الذي سبب خرابا ودمارا للمنازل والمحتويات ستكون اعتقال الوالد المسن الذي يبلغ من العمر 74 عاما ويعاني من أمراض عدة.
ويقول نجله إياد ربيع لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال اقتحمت منزله ومنازل أشقائه ووالده وفتشها بدقة لعدة ساعات ثم اعتقل الوالد في إطار الضغط على شقيقي وسام (21 عاما) لتسليم نفسه، رغم أن وسام لا يعيش أصلاً في تلك المنازل لأنه طالب جامعي ويعمل بدوام جزئي في مدينة رام الله.
في الليلة ذاتها سلم الجنود المقتحمون بلاغات استدعاء لجميع أشقاء وسام ضمن حلقة الضغط ذاتها، وفي اليوم التالي توجه إياد لمقابلتهم كونه أسير محرر أمضى عشرة أعوام ونصف في سجون الاحتلال ويعلم جيدا أساليب المخابرات الصهيونية في الضغط على عائلات من يسميهم بالمطلوبين.
ويضيف إياد:" لم تكن تلك المرة الأولى التي اقتحموا فيها منزلنا بل ثلاث مرات أخرى من أجل اعتقال وسام ولم يجدوه في أي منها، حين توجهت لمقابلة المخابرات أبقوني من التاسعة صباحا وحتى الثالثة والنصف عصراً في الانتظار ثم أدخلوني إلى غرفة وجدت فيها والدي المعتقل جالسا على كرسي وهو مقيد منذ 12 ساعة فجلست إلى جانبه وسألته عن أحواله؛ وكنت أعلم أنهم يريدون من ذلك التنصت علينا كي يعلموا إن كنا نعرف مكان وسام، وبعدها دخل أحد الضباط وهدد والدي بأن وسام إن لم يسلم نفسه فسيكبر ملفه كثيرا وسيكون مصيره مماثلا لمصير رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت عمر الكسواني أو الشهيد باسل الأعرج".
وسط دهشة العائلة من هذا الاهتمام الكبير لمخابرات الاحتلال بملف طالب جامعي يستعد للتخرج؛ تم الإفراج عن الوالد والتهديد بالعودة يوميا إلى منازلهم من أجل البحث عن وسام، ولكن هذه التهديدات لم ترهب العائلة التي اعتادت على عمليات الاقتحام والتفتيش والاعتقال.
في التاسع والعشرين من آذار وصل للعائلة خبر باعتقال وسام بعد مداهمة سكنه الطلابي في بلدة بيرزيت شمال مدينة رام الله، وبعد التواصل مع المؤسسات المختلفة تبين أنه يقبع في مركز تحقيق المسكوبية.
رحلة المعاناة
تم تمديد توقيف الأسير وسام لمدة 15 يوما في التحقيق، وخلالها ذاق مرارة الاعتقال والضغط من قبل مخابرات الاحتلال التي لم تكترث لحالته الصحية.
ويتابع شقيقه إياد القول:" أخي وسام يعاني من الشقيقة وضيق في التنفس، وفي زيارة للمحامي أبلغه بأنه تعرض للإغماء ما يقارب عشر مرات بسبب وضع كيس على رأسه طيلة فترة التحقيق وشعوره بالاختناق تبعا لأزمة التنفس، كما أنه يعاني من صداع مستمر ويرفض الاحتلال مراعاة ذلك أو إدخال أي أدوية له، وكل هذه المعلومات أشعرتنا بقلق شديد على حالته".
قبل أيام من انتهاء مدة الـ15 يوما في التحقيق أبلغ المحامي العائلة بضرورة تزويده بملفات الأسير الطبية من أجل عرضها على المحكمة كي يقدم استئنافا لمنع تمديد آخر في المسكوبية، ولكن بعد انتظار طويل للوالد وشقيقه إياد خارج قاعة المحكمة تم إبلاغهم برفض الاستئناف وبالتالي تم تمديد توقيفه لسبعة أيام أخرى في التحقيق ضمن محكمة داخلية وهو ما أقلق العائلة أكثر.
ويضيف إياد:" تعرضنا لتهديد باقتحام منازل العائلة واعتقال كل أفرادها بمن فيهم السيدات خلال هذه الفترة من ضابط المخابرات الذي هاتفنا وطلب منا الحضور لمقابلته للحديث حول وسام ولكننا رفضنا ذلك لما تعرضنا له من معاملة سيئة في المرة الأولى ولعلمنا بأن المقابلة هدفها تخويف شقيقي وسام في التحقيق والضغط عليه بجلب عائلته".
حين حاول المحامي مجددا زيارة وسام في مركز المسكوبية تم إبلاغه بأنه ممنوع من الزيارة لأنه مضرب عن الطعام وذلك لتعرضه لتحقيق قاسٍ لمدة 22 ساعة يوميا وحرمانه من النوم وعدم الاكتراث لحالته الصحية ومنع إدخال الأدوية اللازمة، وما زاد من قلق العائلة أن أحد الأسرى الذين أفرج عنهم من المسكوبية أبلغهم بأن شابا يدعى وسام ربيع حالته سيئة للغاية ومضرب عن الطعام في ظل حالة تنكيل واضحة له وتهديده بالموت.
كان وسام يستعد لحفل تخرجه في شهر أيار المقبل ولكنه الآن حُرم حتى من تقديم الامتحانات النهائية، ليعاد مشهد اعتقاله لدى مخابرات السلطة مجددا قبل عدة أشهر والتي تعرض فيها لتعذيب قاس تم نقله بعدها إلى المستشفى.
ويختم شقيقه بالقول:" والدي ووالدتي كبار في السن ولا ينامون قلقا على حالة وسام، نناشد كل من له ضمير حي أن يساعدنا في الاطمئنان على حالته وأن يساهم في الضغط للإفراج عنه من مسلخ المسكوبية".