تمر علينا هذا الأيام الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المجاهد مازن فقها رحمه الله، الذي استشهد على أرض فلسطين الحبيبة، أرض غزة العزة، تمر هذه الذكرى وهي تحمل في طياتها الأفراح والأحزان.
أفراح الشهادة وانتصار الفكرة، وأحزان الفراق وغياب الأحبة، تمر مجددة فينا أمجاد البطولة والفداء التي عايشها شهيدنا واستشهد في سبيلها، مخلدا في الوجدان أروع ملاحم التضحية والإباء، كيف لا؟ وشهيدنا ودع أمته وشعبه وأهله بعد مسيرة طويلة حافلة بأمجاد العز والفخار، تغنى بها الملايين من أبناء أمتنا وأحرار العالم.
ففي كل موقع ترك أثرا طيبا، تحدث به كل من عرفه وعايشه، فكانت بداية انطلاقة الشهيد عندما انتظم في صفوف الحركة الطلابية الإسلامية في مدرسة طوباس الثانوية للبنين، فكان من أبرز النشطاء، لما امتاز به من شجاعة حماسة وإبداع في العمل الطلابي، إضافة إلى تفوقه الدراسي الذي نال به إعجاب أساتذته ومحبة زملائه الطلبة.
كما عرف عن الشهيد محافظته على صلاة الجماعة وحلقات القرآن الكريم من خلال ارتياده المستمر للمسجد القديم في مدينته طوباس مسقط رأسه، مما أتاح له نسج علاقات طيبة مع رواد المسجد وأهل الحي الذين أحبوه وأشادوا لما قدمه قبل رحيله، ومنهم من أطلق إسم الشهيد على طفله الجديد تيمنا به.
ترجل شهيدنا المغوار أبا محمد مسطرا في سجل المجد حكاية المجاهد الثائر الذي عشق أرضه وأحب وطنه، ودافع عن مسرى نبيه، وضحى في سبيل دينه، فكان نعم القدوة للأجيال التي هتفت باسمه يوم أن علمت برحيله، فجابت مسيرات الشهيد أنحاء فلسطين كلها، ونعته جماهير الأمة بكل فخر واعتزاز، وقدمت لعائلته أسمى التهاني والتبريكات، وتناولته وسائل الإعلام كقائد عظيم ترك بصمة في مسيرة نضال شعبنا المجيد.
..علم عن الشهيد انضمامه للعمل الجهادي مع انطلاقة الشرارة الأولى لانتفاضة الأقصى المباركة، أثناء دراسته الجامعية في جامعة النجاح الوطنية، بعد أن برز نشاطه الطلابي من خلال عمله في صفوف الكتلة الإسلامية في كلية الاقتصاد فيها.
لاحقته قوات الاحتلال بعد ذلك على خلفية نشاطه الجهادي في كتائب القسام التي تبين لاحقا انتظام الشهيد في صفوفها، تمكن الاحتلال من اعتقاله عام 2002 بعد رحلة طويلة من المطاردة، هدم منزل العائلة خلالها، وقد حكم عليه بالمؤبد تسع مرات قضاها متنقلا بين عدة سجون، صابرا محستبا، لم تجزعه قيود الأسر وجدران السجن بل على العكس من ذلك، عرف عنه حبه الشديد لإخوانه الأسرى، وتفانيه في خدمتهم وقد نجح في نسج علاقات طيبة مع جميع الفصائل في كافة السجون التي مر بها، إضافة إلى ذلك عرف عنه حرصه الشديد على المطالعة وحب المعرفة، كما تمكن من حفظ القرآن الكريم والحصول على سند في القراءة، وشغل مواقع تنظيمية مختلفة أثناء أسره.
رحل فارسنا مذيقا العدو كأس المرارة والعذاب بعد أن طاردهم لسنوات طويلة، طيلة مسيرة جهاده، فكان بذلك نعم المجاهد الذي نشأ في بيت العز والفداء، وصاحب الأوفياء من الرجال، واقتفى درب القادة العظماء، فحمل هم الوطن والمقدسات، وارتوت نفسه بفكر المقاومة والجهاد، فغدى بذلك من زينة الرجال الأبطال، وراح يسطر أمجاده على أرض الضفة والقطاع، حتى آثر الرحيل على الحياة بشهادة على كل المغريات.
تنسم شهيدنا عبير الحرية من خلال صفقة وفاء الأحرار فواصل مشوار المقاومة ولم تنسه فرحة الإفراج وزواجه وإنجابه طفلين قضيته التي أشرب بحبها، ووهب روحه في سبيلها، بل عمد إلى تشكيل المجموعات العسكرية في الضفة الغربية وفق ما تحدث به الاحتلال نفسه الذي داهم منزل العائلة مرات عديدة في محاولة منهم لثنيه عن مواصلة دربه من خلال الضغط على عائلته والتهديد المستمر لها بتصفيته وإنهاء حياته في حال مواصلة عمله المقاوم.
تمر ذكراك شهيدنا وما زال صدى اسمك يتردد في ربوع الوطن مع إشراقة كل صباح، وأنشودة الأطفال الذين يفخرون بسيرة الشهداء، ويمجدون بطولاتهم وتضحياتهم ويخلدون ذكراهم على طريقتهم الخاصة، التي نبصر منها الوفاء والتبجيل لكل من صدق الوعد وحفظ العهد وقاوم المحتل.
تمر ذكراك والأهل والأصحاب من بعدك صابرون محتسبون يدعون لك بالرحمة وحسن القبول، ويستحضرون أيام عيشك بينهم صاحب الخلق القويم، والنفس الهادئة ، والقلب الذي عشق تراب أرضه الطاهرة، وصاحب الكلمة الصادقة، والفكرة الراسخة التي جسدت صدقها دماؤك الزكية، يوم أن روت أرض غزة الأبية، فأنبتت نصرا وحرية، وسيبقى لحنا تردد حناجر أمتنا الوفية.