يشكل الأسير القائد عباس محمد السيد (59 عاماً)، من مدينة طولكرم، أحد أعمدة الصمود الأخيرة داخل سجون الاحتلال، وانهياره يعني انهياراً واسعاً في صفوف الحركة الأسيرة دون مبالغة. فهو إنسان ذو جسد صلب، ومعنويات عالية، وصبر استثنائي، ولا تزال عائلته تعيش على أمل اقتراب حريته. لكن هذه المعادلة تغيّرت جذرياً بعد صفقة طوفان الأحرار، إذ بدأ الاحتلال باتباع منهج تعذيب وتنكيل مختلف يستهدف قيادات الحركة الأسيرة تحديداً، من خلال الضرب المتواصل والمعاملة الوحشية التي لا تمت للإنسانية بصلة.
وقد كانت صدمة زوجته ـ التي اعتادت أن تستمد قوتها من صبره وجلده ـ كبيرة للغاية حين أُبلغت بتفاصيل الزيارة القانونية الأخيرة له داخل عزل مجدو. فقد أوضح من زاره أن الأسير عباس السيد يتعرض لاستهداف مباشر وضرب ممنهج، وأن وضعه الصحي والجسدي بلغ مرحلة خطيرة، وسط استفراد كامل به داخل العزل، مستفيدين من استمرار ما يسمى بحالة الطوارئ حتى ما بعد انتهاء حرب الإبادة على غزة، وفي ظل انقطاع الأسرى التام عن العالم الخارجي.
ووفق الشهادة التي نُقلت لعائلته، فقد صُدم الزائر حين شاهد السجانين يجرّون الأسير عباس السيد جرّاً مهيناً نحو غرفة الزيارة، مهددين إياه بأن لديه نصف ساعة فقط للحديث، ونصف ساعة أخرى لأسير آخر. وعند التمعّن في وضعه، تبين أن جسده قد مال إلى اللون الأزرق من شدة الضرب، وأن آثار الكدمات واضحة على عينيه، وأن جسده يعاني من هزال حاد نتيجة التجويع والتنكيل المستمرين.
وكان أكثر ما أرعب زوجته هو إبلاغها بأن ملامحه تغيّرت إلى درجة أنها قد لا تتعرف عليه لو رأته الآن. كما ظهرت على يديه علامات عميقة من أثر القيود التي يُكبّل بها بشكل دائم. ونُقل عنه أنه تعرض بتاريخ 4/11/2025 لضرب مبرح أثناء نقله إلى إحدى المحاكم، سواء خلال خروجه من عزل مجدو أو أثناء احتجازه في غرفة الانتظار وهو مكبل اليدين.
ورغم أن وقت الزيارة كان محدوداً للغاية، إلا أن ما ظهر خلال تلك الدقائق القليلة كان كافياً لتأكيد تعرضه لعملية قتل بطيء داخل السجون؛ في ظل غياب الرقابة، واستغلال الاحتلال لحالة الطوارئ لحرمان المؤسسات الحقوقية من متابعة الوضع داخل المعتقلات. وما يواجهه الأسير عباس السيد يشكل تهديداً حقيقياً لكافة قيادات الحركة الأسيرة.
لقد كانت الزيارة الأخيرة كفيلة بفضح همجية الاحتلال وإصراره على تطبيق تهديدات قديمة بإعدام قيادات الحركة الأسيرة الذين نفذوا عمليات موجعة للاحتلال. وما يجري معه ليس حالة فردية، بل جزء من سياسة منظمة تُمارس في الخفاء لإسقاط آخر حصون صمود الأسرى الفلسطينيين، وتفكيك البنية القيادية للحركة الأسيرة، في ظل غياب أي تدخل دولي جاد.
يُعد الأسير عباس السيد من أبرز القيادات داخل السجون؛ فهو محكوم بالسجن المؤبد 35 مرة، وكان أحد قادة كتائب القسام في الضفة الغربية. وقد واجه العزل الانفرادي لسنوات طويلة، وحُرمت زوجته من زيارته طوال سبع سنوات بعد اعتقاله عام 2002. وهو أب لمودة، التي كانت بعمر ثلاث سنوات عند اعتقاله، ولعبد الله الذي لم يتجاوز العام والنصف، وقد أصبحت أعمارهما اليوم مساوية تقريباً لمدة اعتقاله.
ويتهم الاحتلال الأسير عباس السيد بقيادة عمليات نوعية خلال الانتفاضة الثانية، أبرزها عملية فندق باراك في نتانيا. وقد تعرض لمطاردة طويلة قبل اعتقاله في 8/5/2002، ثم خضع لتحقيق قاسٍ استمر لأشهر قبل إصدار الحكم عليه. ومنذ بداية حرب أكتوبر، تعرض لتنقلات مستمرة بين العزل، وانخفض وزنه إلى نحو 55 كيلوغراماً، وأصيب بمرض السكابيوس عدة مرات، إلى جانب إهمال طبي متعمد وتراجع في قدرته على الرؤية.
كما تعمد الاحتلال منعه من لقاء محاميه لفترات طويلة بهدف عزله عن العالم الخارجي وإخفاء وضعه الصحي، وتعرض بشكل ممنهج لاقتحام زنزانته وقمعه وضربه بوحشية. وتشكل المعلومات الأخيرة التي وصلت إلى عائلته صورة حقيقية عن واقع التعذيب المفتوح داخل السجون، وعن بدء الاحتلال بتنفيذ سياسة قتل بطيء بحق قيادات الحركة الأسيرة.