لم يكن الأسير المحرر بلال اعمر يتحدث عن سجنٍ عادي، بل عن عالمٍ مغلقٍ يُعاد فيه تشكيل الإنسان الفلسطيني من الداخل، حيث تُخاض حربٌ لا تُرى بالعين فحسب، بل بالعقل والإرادة
كشف اعمر، في شهادة مؤثرة لمكتب إعلام الأسرى، عن جانبٍ مظلم من السياسات التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي داخل السجون بحق الأسرى الفلسطينيين، واصفًا ما يجري بأنه “حرب فكرية ونفسية ممنهجة سبقت السابع من أكتوبر بسنوات طويلة.”
وقال إن الاحتلال مارس ضد الأسرى سياسات خطيرة تستهدف تفكيك البنية الفكرية والتنظيمية للحركة الأسيرة، مضيفًا:
"ما يجري أخطر بألف مرة من التعذيب الجسدي؛ إنها حرب على العقول. فقد حاول الاحتلال تقسيم الحركة الأسيرة إلى مناطق جغرافية، فجعل لكل محافظة قسمًا خاصًا، ضمن سياسة تُعرف بين الأسرى باسم سياسة الشليلي والبلدية."
وأشار إلى أن ضباط الاستخبارات داخل السجون كانوا يسألون الأسير: "من أين أنت؟" بدلًا من "ما هو انتماؤك؟"، في محاولة لترسيخ الانقسام المناطقي على حساب الانتماء الوطني.
وأضاف أن محاربة التعليم، والعزل الانفرادي، والتجويع، والإهمال الطبي، كلها أدوات استخدمها الاحتلال قبل السابع من أكتوبر، مؤكدًا أن عشرات الشهداء ارتقوا داخل السجون بسبب الإهمال الطبي، وبعضهم ما زال محتجزًا في الثلاجات أو ضمن ما يُعرف بـ”مقابر الأرقام”.
وأوضح أن الزيارات كانت معاناة بحد ذاتها قبل الحرب، إذ كانت العائلات تسير لساعات طويلة في الحافلات لتصل إلى السجون، ثم يُفاجأ الأهالي عند الأبواب بأن أبناءهم “ممنوعون من الزيارة” أو “معاقبون”، فضلًا عن فرض الغرامات والعقوبات المتكررة بالعزل الانفرادي.:
وتابع:"وفق اتفاقيات جنيف الأربع، يُحظر على دولة الاحتلال نقل الأسرى من الأراضي المحتلة إلى داخل أراضيها، لكن جميع السجون الإسرائيلية تقريبًا تقع داخل الخط الأخضر باستثناء سجن مجدو، الذي يُعد معتقلًا وليس سجنًا.”
وأكد اعمر أن الأسرى الأمنيين يجب أن يُعاملوا وفق القانون الدولي معاملة أسرى حرب، مضيفًا:
"كنا نُحرم من التعليم والعلاج، وسقط شهداء بسبب الإهمال الطبي. كنا نُنقل من سجن إلى آخر مقيّدين بأغلالٍ حديدية في أقسى ظروف البرد والحر، وكأن الهدف تعذيبنا نفسيًا وجسديًا.”
وعن الإضرابات التي خاضها الأسرى، قال إنه شارك في إضراب عام 2017، مؤكدًا أن ما تعرّض له الأسرى حينها من تنكيلٍ وتعذيبٍ فاق كل وصف:
"رغم أن الإضراب هو الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الأسرى للمطالبة بحقوقهم، إلا أنهم واجهوه بالحرمان من الزيارة، والعزل، وحتى منع الأشقاء من الالتقاء بحجة أنهم ليسوا من الدرجة الأولى في القرابة.”
ومع اشتعال حرب الإبادة على غزة في السابع من أكتوبر، تحولت السجون إلى ساحات انتقام، كما يقول اعمر:
"زادت الوتيرة… زاد الضرب، زاد التجويع، وزاد عدد الشهداء. كنا نشم رائحة الموت في عيون الضباط والسجانين."
ويضيف:"كانوا يقتحمون الأقسام، وحدات النحشون واليماز، بالهراوات والكلاب، يشتموننا بأقذر الألفاظ. كانت السجّانات يقفن أمام الأسرى، يبصقن عليهم، وينعتنهم بالإرهابيين والمخربين، وبأبشع الألفاظ النابية التي أخجل أن أذكرها، وكل ذلك أمام الضباط.”
وفي أكثر فقرات شهادته وجعًا، يكشف بلال اعمر عن جرائم صادمة ارتُكبت بحق الأسرى والأسيرات، قائلًا:
“حدثت اعتداءات جسدية واغتصاب بحق أسرى في سجن النقب، وابتزازات قذرة لانتزاع اعترافات.
مشاهد أشد فظاعة وبشاعة مما رأيناه في سجن أبو غريب.”