من سجن الدامون : الأسيرة كرم تكتب إلى حفيدتيها مسك وضحى
تقرير/ إعلام الأسرى

في غرفة رقم 7 في سجن الدامون، حيث تختنق الأبواب الخضراء بالرطوبة وتقف القلوب على رؤوس أصابعها، تقيم كرم محمد صادق موسى  المعلمة التي درست الرياضيات لثمان وعشرين سنة، أم مجاهد وساجد وأحمد وضحى، وجدة زين وسالي وكِندة ومِسك.

من مدينة نابلس إلى ضيق الدامون حملت معها وجع البيت وحنينا ثقيلا يناديها من خلف البحار من أحفاد لم تحفظ ذاكرتهم بعد ملامحها.

تقول كرم: "جبتلي أخبار كِندة؟"

كِندة حفيدتها الهادئة التي لا تزعج أحدا تشبه زين التي تتدرب الآن على الدراجة دون مساعدات، وسالي التي ما إن يرن الهاتف حتى تهرول نحوه تظنه صوت تاتا كرم. أمّا مِسك الصغيرة التي بدأت تحبو، ثم تركت الأرض، تمشي على الكنب، وفي فمها ثمانية أسنان  كل سن خنجر من شوق.

"وعدتهم بأحلى بليلة" قالتها وهي تفرش حكايات المساء على الأسرة المتعبة وتحاول أن تحشو الألم بحنين وذكريات.

اعتُطقلت كرم منتصف الليل في 25 فبراير، بلا مجندات، على يد ما يقارب سبعين جنديا.

"تكسير بتكسير"، تقولها وتعرض جانبا من الغضب والخراب.

اليوم، تتقاسم الزنزانة مع دلال حلبي وفاطمة جسراوي.

وتقول: "الوضع في الدامون سيئ جدا؛ في أسبوع واحد، 16 حالة مغص وإسهال، حبوب على الجلد، والماء التي تنزل من الحنفية منذ ثلاثة أسابيع بيضاء ،لا صابون كافٍ، والحمام مرّطة واحدة يوميا وقت الفورة. الحوفيش يسخرون: اشربن مية واغتسلوا كثير!"

وفي خمسة أشهر، أكلت كرم 125 بيضة تقولها بضحكة موجوعة:

"أكثر مما أكلت في حياتي!"

لكن في فحوصات الدم ظهرت دهنيات عالية. كيف لا؟ الخبز قليل، والخضار نادرة، ونشرب القهر.

حتى النوافذ سكرت، لم يبق منها إلا 15 ثقبا بحجم المسمار متنفس لأمل صغير. أما الحوامل فنحن نقاسمهن وجباتنا الضئيلة "نخجل أن نأكل أمامهن"

وتهمس عن واحدة من أيام القمع:

"في قمعة 10 حزيران اعتقلوا جلبابة، والسجان راح يرقص فيها في الساحة"

تنام كرم على "اليانس" رغم الحم (الرطوبة) والحر، لأن السجانين يداهمون الغرف ليلا ، لا أمان حتى للنعاس.

رغم كل شيء، لا تزال تضحك ، تبتهج بخبر تخرّج ابنها ساجد من جامعة النجاح – مشروعه نال أعلى علامة وقد أهداه لأمه التي غابت حاضرا، وحضرت في الدعاء.

تبكي وهي تقول: "أنا بحيفا، وإمي بنابلس بدي أطلع أشوفك بخير، حيفا مش بعيدة"

ترسل سلاماتها لكل من تحب، لرشيد وأمه، لزوجها وأولادها، وكنّتها رند، ولخَيّاتها المؤنسات، ولأخيها سمير.

وتخصص لنبيلة وروحية كلمات كتبت على قلبها قبل الورق: "روحيّة الغالية، حفّظت كلّ الأسيرات الصلاة ع النبي اللي علمتيني إياها، وكلهم بيرددوها بالمساء.

ونبيلة يا روحي ديري بالك على أمي"

في الدامون لا صوت يعلو فوق الذكرى. وفي رأس كرم يركض زين، وتحبو مِسك، وتُغني سالي: "تاتا كرم... طولت"

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020