أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى أن الاحتلال أمَّعن بشكل خطير في قتل الأسرى الفلسطينيين داخل سجونه، وأن أكثر من نصف شهداء الحركة الأسيرة الذين ارتقوا منذ السابع من أكتوبر كان التعذيب والتنكيل السبب الرئيسي في استشهادهم.
وأوضح مركز فلسطين أن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 ارتفع مؤخراً إلى (302 شهيداً)، ومنذ حرب الإبادة على قطاع غزة بلغ (65) شهيداً منهم (35) شهيداً كان التعذيب القاسي والعنيف السبب الرئيسي في ارتقائهم شهداء، وغالبيتهم من أسرى قطاع غزة الذين اعتقلوا خلال العدوان الهمجي والمستمر منذ أكثر من عام ونصف.
وأشار مركز فلسطين إلى أن الاحتلال، ومع تصاعد أعداد الأسرى بشكل كبير، وخاصة المعتقلين من قطاع غزة والذين بلغت أعدادهم بالآلاف، افتتح الاحتلال معتقلات ومراكز تحقيق جديدة لاستيعاب تلك الأعداد، ومارس فيها كل أشكال التنكيل والتعذيب المحرمة دولياً، وهي تتبع جيش الاحتلال مباشرة، من أبرزها معتقل "سديه تيمان" في النقب وأطلق عليه "معسكر الموت" و "غوانتانامو إسرائيل" نظراً للأهوال التي تعرض لها الأسرى في المعتقل، والتي فاقت ما جرى في المعتقل الأمريكي غوانتانامو الذي أقيم في كوبا، إضافة إلى معسكر اعتقال خاص يتبع لجيش الاحتلال في سجن عوفر، ومركز اعتقال وتحقيق "منشه" شمال الضفة الغربية، ومعسكر اعتقال "نفتالي".
بيَّن مركز فلسطين أن معسكر "سديه تيمان" لا يخضع لأي نوع من أنواع الرقابة، وأعطى قادة المنظومة الأمنية والعسكرية للجنود ومحققي الشاباك صلاحيات واسعة وغطاء قانوني وضوء أخضر لاستخدام كل وسائل التعذيب القذرة والمميتة والحاطة بالكرامة، بما فيها الانتهاكات الجنسية بهدف إذلال المعتقلين وسحق إنسانيتهم والوصول بهم إلى الموت أو الإعاقة الدائمة النفسية والجسدية، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء هذا العدد الكبير من الشهداء خلال فترة قصيرة.
ومن أبرز شهداء التعذيب الدكتور عدنان البرش من جباليا شمال قطاع غزة، وهو استشاري ورئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة، حيث اعتقلته قوات الاحتلال في شهر ديسمبر 2023، خلال تواجده في مكان عمله بمستشفى العودة، وتم نقله إلى معتقل كيشون قرب حيفا وتعرض لتعذيب قاسي من الشاباك لعدة شهور انتقاماً من صموده ورفض ترك عمله في علاج الجرحى، وقد ارتقى شهيداً بعد 4 شهور نتيجة التعذيب، وما يزال جثمانه محتجزاً حتى الآن.
ونوه مركز فلسطين إلى أن الاحتلال كان قد اعترف بشكل علني بقتل 36 معتقلاً في معسكر "سديه تيمان" منذ السابع من أكتوبر، وهذا العدد الذي تم كشفه فقط، وهو يمثل جزءاً من الحقيقة فقط حيث إن أعداد الشهداء الأسرى أكبر من ذلك بكثير، والاحتلال يمارس سياسة الإخفاء القسري بحق معتقلي غزة ويعزلهم في ظروف قاهرة ليمارس القتل بحقهم دون رقابة أو حساب.
وكشف مركز فلسطين أن (29) من شهداء الحركة الأسيرة منذ حرب الإبادة كانت سياسة الإهمال الطبي السبب الرئيسي في استشهادهم، حيث يرفض الاحتلال بداية تقديم أي نوع من الرعاية الصحية للأسرى والزج بالأسرى في ظروف تشكل أرضية خصبة لانتشار المرض والعدوى، وبعد تردي وضعهم الصحي يماطل الاحتلال فترات طويلة تصل لسنوات لعرض الأسير على طبيب أو تقديم علاج مناسب له أو إجراء عمليات جراحية ضرورية لهم، إمعاناً في سياسة قتل الأسرى وترك الأمراض تغزو أجسادهم، الأمر الذي يؤدي إلى وصول بعضهم إلى حالات خطرة، وحين فوات الأوان يقوم الاحتلال بنقلهم في الرمق الأخير إلى المستشفى، وهناك يُعلن عن ارتقائهم شهداء.
وذكر مركز فلسطين أن أبرز شهداء الإهمال الطبي منذ حرب الإبادة الأسير "وليد دقة" من باقة الغربية بالداخل المحتل بعد أن أمضى 38 عاماً في الأسر، وأصيب بمرض خطير في الدم ورفض الاحتلال إطلاق سراحه رغم انتهاء محكوميته البالغة 37 عاماً، إلى أن ارتقى شهيداً داخل الأسر، ورفض تسليم جثمانه لذويه بشكل نهائي، والأسير "خالد الشاويش" من طوباس والذي ارتقى بعد أن أمضى 23 عاماً في الأسر، والأسير الشيخ "مصطفى أبو عره" من طوباس، والأسير "عاصف الرفاعي" من رام الله، وهو مريض بالسرطان رفض الاحتلال الإفراج عنه كما رفض تقديم رعاية طبية حقيقية له في الأسر، واعتقله إدارياً دون تهمة إلى أن ارتقى شهيداً في مستشفى "أساف هاروفيه" الإسرائيلي.
بينما قضى الأسير الفتى "وليد أحمد" من سلواد، ابن السبعة عشر ربيعاً، في سجن مجدو بسبب سياسة التجويع في سجون الاحتلال التي أقرها المتطرف "بن غفير"، ولا تزال إدارة السجون تمارسها حتى الآن بحق الأسرى، حيث أكدت نتائج التشريح التي أجريت لجثمانه أن جريمة التجويع الممنهجة بعدم حصوله على كميات طعام كافية خلال اعتقاله كانت السبب الرئيسي التي أدت تراكمياً إلى إصابته بأعراض خطيرة، وتدهور حالته الصحية مما أدى إلى استشهاده.
وأوضح مركز فلسطين أن عدد الأسرى معلومي الهوية الذين استشهدوا منذ السابع من أكتوبر بلغ (65) أسيراً، وهو العدد الأكبر خلال فترة وجيزة في تاريخ الحركة الأسيرة، بينما هناك مئات الشهداء مجهولي الهوية لم يعلن الاحتلال عن أسمائهم أو مكان احتجاز جثامينهم، وهم من أسرى غزة الذين تم اعتقالهم خلال حرب الإبادة على القطاع.
وجدد مركز فلسطين تحذيره من استمرار ارتقاء الشهداء داخل سجون الاحتلال نتيجة سياسات الاحتلال القمعية والإجرامية بحق الأسرى من تعذيب وإهمال طبي وتجويع وإرهاب، وإصرار حكومة الاحتلال المتطرفة على مواصلة جرائمها بحقهم، وتوفير الحماية لمرتكبي تلك الجرائم.
وطالب المجتمع الدولي ومؤسسات الحقوقية بالتدخل الفوري وتشكيل لجان تحقيق لتوثيق جرائم القتل والتعذيب بحق الأسرى، والضغط على الاحتلال لوقف تلك الجرائم، ومطالبة محكمة الجنايات الدولية بتقديم قادة الاحتلال إلى محاكم مجرمي الحرب لمسؤوليتهم عما يجري من جرائم وتوفير الضوء الأخضر لمرتكبيها.