عدَّ مركز فلسطين لدراسات الأسرى العام الذي مضى منذ السابع من أكتوبر للعام 2023 الأقسى على الإطلاق منذ إنشاء سجون الاحتلال الإسرائيلي حيث تضاعفت أعداد الأسرى خلاله ونحلت أجسادهم بفعل سياسة التجويع والتنكيل والإجراءات القاسية التي تعرضوا لها بتعليمات من المتطرف بن جفير.
وأوضح مركز فلسطين أن الاحتلال وتزامناً مع حرب الإبادة على قطاع غزة مارس حرب موازية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين تمثلت في استنزاف واستئصال الطاقات البشرية بالاعتقالات المكثفة التي لم تتوقف على مدار العام، حيث وصلت حالات الاعتقال إلى أكثر من (11100) حالة طالت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني وتركزت على فئة الشباب والناشطين وطلاب الجامعات، خشية من تحريك الشارع ضد جرائم الاحتلال التي يرتكبها في قطاع غزة، وسُجلت أعلى حالات اعتقال في مدينتي القدس والخليل.
وترافق مع حملات الاعتقالات المستمرة، جرائم وانتهاكات أخرى منها عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرّح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التّخريب والتّدمير الواسعة في منازل المواطنين، وسرقة الأموال، ومصاغ الذهب ومصادرة المركبات، إلى جانب هدم منازل لعائلات الأسرى، واعتقال أفراد الأسرة كرهائن للضغط على أبنائهم لتسليم أنفسهم، إضافة إلى استخدام معتقلين دروعاً بشرية.
وبلغت عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال (750) حالة، وبلغت حالات الاعتقال بين صفوف النّساء (420) دون النّساء اللواتي اعتقلن من غزة، ويقدر عددهن بالعشرات، بينما وصلت حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين منذ بدء حرب الإبادة (108) صحفياً، بينهم ستة صحفيات، و(22) صحفياً من غزة على الأقل ممن تم التّأكّد من هوياتهم.
مضاعفة أعداد الأسرى
وأكد مركز فلسطين أن أعداد الأسرى قبل السابع من أكتوبر من العام الماضي بلغت (5200) أسير بينهم (40) أسيرة، و(160) طفلا قاصراً وعدد الإداريين بلغ (1300) أسير، بينما اليوم وبعد مرور عام على حرب الإبادة بلغ عدد الأسرى أكثر من (10 الاف) أسير، وبلغ عدد الأسيرات المعروفة هوياتهن (95) أسيرة، بينما الأطفال (270)، ووصل عدد الأسرى الإداريين لأول مرة في تاريخ الحركة الأسيرة إلى أكثر من (3200) أسير إداري وبلغت عدد أوامر الاعتقال الإداري أكثر من (9000) أمر ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ أطفال ونساء ونواب.
وإضافة إلى تزايد أعداد الأسرى بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر العام الماضي تعرض الأسرى داخل السجون إلى حملات تنكيل واعتداء غير مسبوقة وخاصة بحق الآلاف من أسرى غزة الذين تم اعتقالهم خلال الاجتياح البري لكافة مناطق القطاع، وافتتاح معسكر خاص بالجيش وتحويله إلى سجن في منطقة النقب وهو ما عرف باسم "سيديه تيمان" مارس الاحتلال بداخله كافة أشكال الجرائم المحرمة دولياً بما فيها جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأسرى.
أوضاع قاسية ومأساوية
وأضاف مركز فلسطين أن الاحتلال ومنذ اليوم الأول للعدوان أعلن حالة الطوارئ وأغلق السجون بشكل كامل، وعزلهم عن العالم الخارجي لغاية اليوم، وأغلق الكانتين، وأوقف كافة أشكال الزيارات للأهالي والمحامين وأجرى حملات تفتيش وتنقلات واسعة، وأعاد سياسة الضرب والتنكيل التي كان يمارسها بحق الأسرى خلال سنوات السبعينات.
وبدء الاحتلال بقمع الأسرى وتعذيبهم، وسجلت العشرات من الإصابات بين صفوف الأسرى والأسيرات الذين تعرضوا للاعتداء من قبل وحدات القمع، وتنوعت سبل التنكيل منذ ذلك الوقت بين التجويع والتعطيش والإهمال الطبي، إضافة إلى سحب كل مستلزمات الحياة الأساسية والإبقاء على الحد الأدنى منها، وقامت بزّج العشرات من المعتقلين في غرف صغيرة لا تتسع لهذه الأعداد الكبيرة التي دخلت السجون.
ومع دخول فصل الشتاء والبرد القارس اشتدت الأوضاع قساوة داخل السّجون، مع انعدام وسائل التدفئة والاغطية والملابس الشتوية وتركزت عمليات التّعذيب والتّنكيل في سجون (النقب وجلبوع، مجدو، وعوفر)، ومنع مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من تنفيذ أي زيارة للسجون بالتزامن مع إيقاف الزيارات العائلية بشكل مطلق.
سياسة التجويع
وأكد مركز فلسطين أن سلطات الاحتلال حاربت الأسرى بسياسة التجويع التي وصلت إلى حد المجاعة داخل السجون، الأمر الذي أدى إلى فقدان مئات الأسرى أكثر من نصف وزنهم حيث قلصت إدارة السجون بتعليمات من المتطرف "بن جفير" كميات الطعام التي كانت تقدم للأسير لأكثر من نصف الكمية التي يحتاجها يومياً لسد جوعه كذلك سحبت كافة أغراض الطعام من غرف الأسرى وأدوات الطبخ بحيث لا يستطيع الأسرى الطهو لأنفسهم أي نوع من أنواع الطعام لسد جوعهم مما فاقم من معاناتهم.
وقال إن سياسة التجويع أدت إلى تردى أوضاع غالبية الأسرى الصحية ونقص أوزانهم إلى ما يقارب النصف، بحيث بدا بعضهم بعد التحرر وكأنه هيكل عظمى لم يتلقى طعام منذ أسابيع، وغالبيتهم يحتاجون إلى المساعدة في الحركة، والعشرات منهم تم نقلهم مباشرة إلى المستشفيات لتقديم العلاج لهم نتيجة سوء التغذية والظروف القاسية التي تعرضوا لها.
كذلك ساهمت هذه السياسة في إصابة العشرات من الأسرى بأمراض مختلفة رافقتهم بعد التحرر، وهذا ما أكدته شهادات المحررين الذين عاشوا تلك التجربة القاسية، ورغم أنهم أمضوا أقل من 6 شهور إلا أنهم تعرضوا لانتكاسة صحية صعبة نتيجة عدم تناول طعام صحي وكافي خلال فترة الاعتقال، وحرمانهم من أنواع معينة من الطعام تحتوي على مكملات ضرورية لبناء الجسم وخاصة للأشبال.
ارتقاء 40 شهيداً
وبين مركز فلسطين أن الأوضاع القاسية التي عاشها الأسرى وتضاعف عمليات التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي أدت إلى ارتقاء (40) أسيراً داخل السجون منهم (24) أسيراً من قطاع غزة غالبيتهم استشهدوا بسبب التعذيب في معتقل سيديه تيمان، بينهم الدكتور "عدنان البرش"، رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة والذي تعرض لتعذيب قاسى استمر عدة شهور الأمر الذي إلى استشهاده ولا يزال الاحتلال يحتجز جثمانه.
إضافة إلى (14) شهيد من الضفة بينهم الأسير خالد الشاويش من طوباس، نتيجة الإهمال الطبي بعد 16 عاماً في الأسر وهو محكوم بالسّجن المؤبد (11) مرة، والشيخ "مصطفى أبوعره" (63 عاماً) من طوباس نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وهو معتقل إداري ويعاني من مشاكل في الدم والقلب، بينما ارتقى شهيدين من الأراضي المحتلة عام 1948 أحدهم الأسير " وليد دقة" من باقة الغربية بعد اعتقال استمر 38 عاماً في سجون الاحتلال بعد أن رفض الاحتلال إطلاق سراحه عقب انتهاء محكوميته وإصابته بمرض السرطان.
ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامين (38) أسيرًا من أصل (40) أسيرا استشهدوا وأعلن عنهم منذ بدء حرب الإبادة
معتقلي غزة
وكشف مركز فلسطين أن حالات الاعتقال خلال العام المنصرم والتي بلغت (11 ألف) حالة لا تشمل الاعتقالات من قطاع غزة حيث نفذ الاحتلال منذ بدء العدوان والاجتياح البري في قطاع غزة، حملات اعتقال جماعية بحق المدنيين في مراكز الإيواء والمدارس والمنازل والممرات الآمنة، واعتقل الآلاف بشكل همجي وغير مسبوق، وتبجح بذلك عبر نشر صور ومقاطع فيديو تظهر المعاملة غير الإنسانية بحق المعتقلين.
ومن خلال المتابعة رصدنا ما يقارب من ستة آلاف حالة اعتقال من القطاع أفرج الاحتلال عن غالبيتهم بعد شهور من التحقيق والتعذيب خرج بعضهم فاقداً للذاكرة نتيجة التعذيب وبعضهم أصيب بإعاقات دائمة بينما يعترف الاحتلال باستمرار اعتقال حوالي (1550) من قطاع غزة، غالبيتهم يقبعون في سجن النقب الصحراوي وعددهم (1200) أسير موزعين على ثمانية أقسام كل قسم يضم 150 معتقلاً.
وهذا العدد لا يشكل الأعداد الحقيقة لمعتقلي غزة حيث لا يزال الاحتلال يتكتم على مصيرهم وأعدادهم أو ظروف اعتقالهم، ضمن جريمة الإخفاء القسري حتى يتمكن من استمرار سياسة القتل والتنكيل بحقهم.
وحسب شهادات أسرى من غزة أفرج عنهم حديثاً أكدوا أنهم تعرضوا لعمليات تعذيب قاسية طالت كرامتهم وإنسانيتهم وتم تقيديهم وعصب اعينهم لفترات طويلة استمرت لأكثر من أسبوع بشكل متواصل، وتعرضوا للضرب على كل أنحاء الجسم، وحرموا من قضاء الحاجة واضطروا لقضائها في ملابسهم.
كما حرموا من أبسط مقومات الحياة ولم يسمح لهم بتغيير ملابسهم طوال 8 شهور ويقبعون في أقسام للخيام شديدة الحرارة في الصيف والبرودة في الشتاء، تنتشر حولهم الحشرات والثعابين، وحرموا من الطعام الكافي، ولا يقدم لهم أي نوع من أنواع العلاج علماً بأنهم جميعا أصيبوا بالأمراض الجلدية والدمامل والالتهابات والحكة الشديدة مع انعدام النظافة وأدوات التنظيف، الأمر الذى أدى لارتقاء 24 شهيداً معلومي الهوية من القطاع، والعشرات لا زالوا مجهولين، إضافة إلى مئات الشهداء ممن تم إعدامهم ميدانياً بعد اعتقالهم والتحقيق معهم وهم مكبلين الأيدي والارجل.