قالت مؤسسات الأسرى إنّ الاحتلال نفّذ جرائم مروعة بحقّ الصحفيين الفلسطينيين في ضوء استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، والعدوان الشامل على شعبنا في كافة أنحاء فلسطين، فكانت هذه المرحلة الأكثر دموية بحقّ الصحفيين، مقارنة مع فتارت سابقة شهدت فيها فلسطين انتفاضات وهبات شعبيّة، واستنادًا لمعطيات نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد أدى استهداف الاحتلال لصحفيين إلى استشهاد (135) صحفيًا فلسطينيًا.
وأضافت المؤسسات في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة الذي يصادف الثالث من أيار/ مايو من كل عام، "إن استهداف الصحفيين الفلسطينيين، شكّل وما يزال أبرز السّياسات التي انتهجها الاحتلال على مدار تاريخه، هذا عدا عمليات الاغتيال التي انتهجها والتي تصاعدت بشكل غير مسبوق، فمنذ بداية حرب الإبادة الجماعية، شكّل استهداف الصحفيين محطة فارقة في تاريخ الصّحافة الفلسطينية خاصّة في غزة، ولم يكتف الاحتلال باستهدافهم خلال أداء عملهم الصحفيّ، بل عمل بشكل ممنهج على استهداف عائلاتهم، حيث ارتقى العديد من الصحفيين وعائلاتهم خلال الإبادة، وذلك في إطار عمليات الانتقام منهم، فقد حوّل الاحتلال عائلاتهم إلى هدفًا وأداة لتهديديهم والانتقام منهم، في محاولة مستمرة لإسكات أصواتهم واغتيال حقيقة وتفاصيل الإبادة الجماعية في غزة."
وشكّلت عمليات الاعتقال أبرز السّياسات الممنهجة التي استخدمتها منظومة الاحتلال على مدار عقود طويلة بحقّ الصحفيين الفلسطينيين، حيث يواصل الاحتلال الإسرائيليّ اعتقال (53) صحفيًا/ة في سجون ومعسكراته، منهم (43) اُعتقلوا بعد تاريخ السّابع من أكتوبر 2023، وهم من أصل (70) صحفيًا/ة تعرضوا لعمليات اعتقال بعد هذا التاريخ، تحديدًا في مناطق الضّفة بما فيها القدس، وكل ذلك إلى جانب التهديدات والاعتداءات الميدانية والاحتجاز والملاحقة المستمرة لهم خلال تغطياتهم الصحفيّة الميدانية.
وأشارت المؤسسات إلى أنّ أربعة صحفيين من غزة ما زالوا رهن الإخفاء القسري، ويرفض الاحتلال الكشف عن مصيرهم أو توضيح أي معطيات بشأنهم، منهم اثنان جرى اعتقالهم في بداية العدوان وهما: نضال الوحيدي، وهيثم عبد الواحد، بالإضافة إلى صحفيين اثنين جرى اعتقالهما من مستشفى الشفاء في غزة خلال العدوان الواسع الذي تعرض له المشفى، وهما: محمود زياد عليوة، ومحمد صابر عرب.
ولفتت المؤسسات إلى أنّه من بين الصحفيين المعتقلين، أربع صحفيات، من بينهن أمّ مرضعة، وهن: (إخلاص صوالحة، ورولا حسنين وهي أم مرضعة، وبشرى الطويل، وأسماء هريش). إضافة إلى الصحفية سُمية جوابرة التي ما تزال رهن الحبس المنزلي إلى جانب شروط مشددة فرضت عليها، علمًا أن صوالحة والطويل وهريش رهن الاعتقال الإداريّ.
واستخدمت سلطات الاحتلال سياسة الاعتقال الإداريّ تحت ذريعة وجود (ملف سرّي) والذي طال الآلاف من المواطنين بعد السّابع من أكتوبر؛ أداة لفرض مزيد من السّيطرة والرّقابة على العمل الصحفيّ، في محاولة لسلب الصحفيين حقّهم في حرية الرأي والتعبير وممارسة مهنتهم، حيث بلغ عدد الصحفيين الذين استهدفهم الاحتلال بالاعتقال الإداري بعد السّابع من أكتوبر (23) صحفيًا/ة أفرج عن أحدهم يوم أمس.
وإلى جانب جريمة الاعتقال الإداريّ، استخدم الاحتلال الاعتقال على خلفية ما يسمى (بالتحريض) عبر وسائل الإعلام التي عملوا فيها، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تحوّلت من أداة لحرية الرأي والتعبير إلى أداة لاستهداف الصحفيين والفلسطينيين عمومًا، حيث تُظهر لوائح (الاتهام) المقدمة بحقّ الصحفيين على خلفية (التّحريض) إصرار الاحتلال على ملاحقة الصحفيّين بناء على عملهم الصحفيّ دون وجود مبرّر قانونيّ لهذه الاعتقالات، حيث تعمّد الاحتلال في صياغته لبنود ما يدعيه (بالتحريض والتعاطف) جعلها فضفاضة، دون محدّدات واضحة، ليتمكّن من استخدامها سلاحاً في وجه الصحفيّين على وجه الخصوص، وباقي الفلسطينيّين على وجه العموم، وزجّهم في السّجون.
ومنذ السّابع من أكتوبر، أصبحت بعض لوائح الاتّهام تبدأ بديباجة تشرح ما حصل في السّابع من أكتوبر، والتي على أثرها أعلن الاحتلال حالة الحرب، وكأنّه يبرّر حملات الاعتقال الواسعة، التي تصاعدت بشكل غير مسبوق بعد السّابع من أكتوبر، علماً أنّ هذه الديباجة التي يتمّ تضمينها، تبرهن عدم قانونيّة الاعتقال، واستناد الاعتقال على الوضع السياسيّ الراهن، وتدلّ على سياسة (العقاب الجماعيّ)، وتنفيذ عمليات اعتقال واسعة بغضّ النظر عن طبيعة عملهم أو أعمارهم.
كما ويواجه الصحفيون المعتقلون في سجون الاحتلال ومعسكراته، كافة الإجراءات الانتقامية و(العقابية) التي فرضت على الأسرى والمعتقلين عمومًا، إلى جانب عمليات التّعذيب والإذلال، وسياسة التّجويع والجرائم الطبيّة الممنهجة، عدا عن سياسات السلب والحرمان المستمرة بحقّهم واحتجازهم في ظروف اعتقالية قاسية ومذلّة.
وتشكّل حالة المعتقل الإداري الصحفيّ معاذ عمارنة من بيت لحم أبرزها، حيث يعاني عمارنة من إصابة سابقة برصاص جيش الاحتلال تعرض لها عام 2019، خلال تأدية عمله الصحفي، وأدت إلى فقدانه عينه اليسرى واستقرار الرصاصة على جدار الدماغ، هذا عدا عن معاناته من مشاكل صحيّة أخرى ومنها مرض السكري، وحاجته الماسّة إلى متابعة صحيّة حثيثة، ومنذ اعتقاله في تاريخ 16 من أكتوبر 2023، تعرض عمارنة لعمليات تنكيل ممنهجة، وحُرم من أبسط حقوقه، وتحديدًا حقّه في العلاج والرعاية الصحيّة، ويعاني اليوم من ظروف احتجاز قاهرة ومأساوية، علمًا أنّ الاحتلال جدد اعتقاله الإداريّ للمرة الثانية لمدة أربعة شهور في شهر آذار/ مارس 2023.
كما ولفتت المؤسسات إلى حالة الصحفيّ طارق الشريف الذي اعتقل على خلفية ما تسمى (بتهم التحريض)، اعتقل الصحفي الشريف في تاريخ 19/11/2023، بعد اقتحام جيش الاحتلال منزله في مدينة البيرة، وطوال احتجازه في أحد المعسكرات بالقرب من رام الله، وهناك بقي مقيدًا ومعصوب العينيين، حرم من استخدام الحمّام، وشرب المياه، وتعرض لاعتداء بالضرب، وواجه الشريف عمليات استجواب وتحقيق على خلفية عمله الصحفيّ وتحديدًا حول حلقة أجرها على إذاعة راية في برنامجه الصباحي بثت في تاريخ 8 أكتوبر 2024، وحلقات إذاعية أخرى من عام 2021 حتى 2023، وخلال اعتقاله وبعد عرضه على المحكمة تعرض الشريف إلى عملية تحقيق من قبل جهاز مخابرات الاحتلال (الشاباك)، حول منشورات له على الفيسبوك، وقد وجه الاحتلال لائحة (اتهام) بحقّ الصحفي الشريف على خلفية ما يسمى (بالتحريض)، وما يزال موقوفًا.
ويواصل الاحتلال اعتقال أربع صحفيات من بينهنّ الصحفية رولا حسنين والتي اعتقلت من منزلها في بيت لحم، في تاريخ 19/3/2024، وهي أم مرضعة لطفلة كانت تبلغ من العمر حينما اعتقلت والدتها تسعة شهور، وقد تعرضت طفلتها لتراجع في وضعها الصحي بعد اعتقال والدتها، ووجه الاحتلال بحقّ الصحفية حسنين لائحة (اتهام) حول ما يسميه (بالتحريض) وقد عقدت لها عدة جلسات محاكمة، وكانت محكمة الاحتلال قد أصدرت قرارًا بالإفراج عنها بكفالة مالية، إلا أن نيابة الاحتلال قد استئنافًا على القرار، وعقدت جلسة للنظر في الاستئناف في شهر نيسان المنصرم وحتى اليوم لم يصدر قرارًا من المحكمة، وما تزال موقوفة، ويحتجز الاحتلال الصحفيّة حسنين في سجن (الدامون) إلى جانب العشرات من الأسيرات في ظروف عزل مضاعفة وقاسية ومأساوية.
وتجدد مؤسسات الأسرى مطالبها بالإفراج العاجل عن الصحفيين المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، والكشف عن مصير صحفي غزة المعتقلين والذين يواجهون جريمة الإخفاء القسري، كما وتطالب هيئة الأمم المتحدة، وكافة المؤسسات الدولية، لتحمل مسؤولياتها تجاه الجرائم التي ينفّذها الاحتلال بحقّ الأسرى والمعتقلين، وعدم الاكتفاء بنشر التقارير والشهادات والإعلان عنها والتحذير منها، فبعد نحو 7 شهور من الإبادة واستمرارها، فإن كل ذلك فقد معناه، مع تجاهل الاحتلال المدعوم من قوى دولية واضحة، المجتمع الإنساني، وأصوات الأحرار التي تتعالى من أجل الحق الفلسطيني في تقرير مصيره.