شهادات مروعة يرويها من خرج من أقبية السجون الصهيونية المظلمة حول أوضاع أسرى قطاع غزة الذين لا تعرف أعدادهم ولا أسماؤهم ولا أماكن تواجدهم أو حتى ظروف اعتقالهم.
يتشبث الأهالي بخيوط من الأمل حول مصير أبنائهم الذين اعتقلهم من مختلف أرجاء قطاع غزة خلال حرب الوحشية التي يشنها على القطاع منذ أكتوبر الماضي.
مقاطع مصورة كانت أظهرت مئات المعتقلين الذين يقودهم جيش الإبادة الصهيوني باتجاه مناطق مجهولة خلال اقتحامه لعدد من المناطق كانت آخرها بيت حانون ومحاصرة مدارس تأوي النازحين فيها.
تلك المقاطع أظهرت المعتقلين بلا ملابس ومقيدين مع بعضهم البعض في مجموعات بينهم مسنون ونساء وأطفال بشكل لا يدع مجالا للشك أن مصيرهم سيكون مجهولا وأن هناك تعمدا صهيونيا لإخفاء أي معلومة عنهم وما يتعرضون له.
بين الحين والآخر يفرج الاحتلال عن دفعات من أسرى قطاع غزة ممن كانوا نازحين أو مرضى من داخل المستشفيات أو مرافقيهم ممن تم اعتقالهم دون أي ذنب أو مبرر.
ينقل هؤلاء المفرج عنهم ما عايشوه في بطن الحوت وربما أشد، فشهاداتهم تظهر حجم العذاب الذي عانوه والمعاملة السيئة التي تعرضوا لها.. أجسادهم نحيلة، وجراحهم نازفة، ووجوههم تروي الكثير الكثير.
أحد المفرج عنهم حاج ستيني بترت قدمه، وعلى عكس ما اعتقد البعض أنه اعتقل بهذه الحالة فإن شهادته تؤكد أنه كان مصابا بها بجرح بسيط، وبسبب الإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير أي علاج له تم بترها بعد أن ساءت حالته.
أسير محرر آخر يؤكد أنه كان شاهدا على تعذيب أسير ونتف لحيته بواسطة كماشة على يد السجانين، فيما كان يتعرض لنوع من التعذيب يهدف لحرمانه من النوم عبر دخوله إلى غرفة "الديسكو" التي تحوي سماعات ضخمة لموسيقى صاخبة تمنعه من النوم طيلة الوقت، وحين يكون منهكاً وفي أمس الحاجة للنوم يتم نقله لغرفة التحقيق لنزع الاعترافات منه أو إرغامه عليها.
تغييب كامل
تشير التقديرات للمؤسسات الحقوقية أن الغالبية الساحقة من أسرى قطاع غزة هم من المواطنين الذين تم اعتقالهم من مراكز النزوح والإيواء أو من منازلهم التي تعرضت للاجتياح البري والقصف الجوي أو من مستشفيات كمجمع الشفاء ومجمع ناصر الطبيين.
من بين أولئك كوادر طبية ومسعفون وممرضون تم اعتقالهم من داخل المستشفيات المختلفة خلال قيامهم بواجبهم في علاج المرضى والجرحى وتضميد جراحهم.
ولكن أي معلومة عن أعدادهم أو مكان تواجدهم غير معروفة لأحد، ويتعمد الاحتلال التكتم على ذلك قدر الإمكان لدرجة منع حتى المؤسسات الدولية كالصليب الأحمر من زيارتهم أو الاطلاع على معلومات بسيطة عنهم.
جمعية واعد للأسرى والمحررين قالت في تصريح لها السبت إنه لا توجد أعداد دقيقة حول أعداد معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر، وإن كافة المواطنين الذين تم اعتقالهم جرى تحويلهم لأماكن احتجاز سرية في معسكرات اعتقال سيئة الظروف وفق إفادات من أفرج عنهم مؤخرا.
ودعت الجمعية المؤسسات الدولية للقيام بدور ضاغط جاد وفعال لزيارة هذه المعسكرات الاعتقالية وخاصة معسكر "سدي تمان" الذي ترتكب فيه أبشع جرائم الإبادة الجماعية بحق المعتقلين الفلسطينيين.
أي جهة فلسطينية أو دولية أو أي محام لم يتمكنوا من معرفة مصير أي معتقل لدى الاحتلال منذ ٧ شهور، بحسب التصريح الصادر عن الجمعية، وهي سابقة تحدث لأول مرة منذ تاريخ الثورة الفلسطينية.
وأضافت:" تلقينا إفادات من معتقلين مفرج عنهم حول أساليب تحقيق وحشية وقاتلة يتعرض لها المعتقل لإرغامه على الإدلاء باعترافات باطلة".
"غوانتانامو" جديد
ما بين الشهادات المروعة والتكتم الصهيوني المتعمد حول ظروف اعتقال أسرى قطاع غزة بينهم نساء، تتزايد المخاوف من وجود سجون سرية يتم إخفاؤهم وقتلهم فيها.
ويتلاقى هذا الاعتقاد مع تسريبات حول ما يحدث لأسرى قطاع غزة في معسكر "سدي تمان" جنوب فلسطين المحتلة، وجاءت شهادات أدلى بها مستوطنون صهاينة حول ما يتعرض له أسرى غزة في هذا السجن لترسم صورة أكثر مأساوية، حيث بترت أطراف بعضهم بسبب القيود التي لا تتم إزالتها عنهم أبدا.
وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحقيق نشر بداية أبريل/نيسان عن الطبيب الذي يعمل في مستشفى ميداني أقيم في مركز اعتقال الغزيين بمنطقة "سديه تيمان" بصحراء النقب عن التجاوزات القانونية التي تتم خلال عملهم، وأضاف "في أسبوع واحد فقط تم بتر ساق أسيرين بسبب جراح تقييدهم بالأصفاد، ونتحدث عن أمر بات اعتياديا".
ووصف الطبيب ظروف الأسرى الغزيين "بالمزرية" وأن مخالفات غير معقولة تقترف بحقهم، مما يعرضهم لخطر الموت.
وكان نادي الأسير الفلسطيني قد نقل تلك الشهادة عن الطبيب الإسرائيلي في بيان، وأكد فظاعتها وأنها تشكّل الحد الأدنى من مستوى الجرائم المتواصلة بحقّ معتقلي غزة، وذلك في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري بحقّهم، منذ بداية العدوان والإبادة الجماعية.
وقال النادي في بيان له إن "سديه تيمان" الذي أقيم خصيصاً لأسرى غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي شكل عنوانا بارزا لعمليات التعذيب غير المسبوقة بكثافتها، ومعظم الجرائم التي كشف عنها ارتبطت به، آخرها ما كشف عنه من بتر لأطراف الأسرى بفعل إبقائهم مقيدين ومعصوبي الأعين خلال احتجازهم.
الشهادات تتجاوز ذلك إلى إهمال طبي متعمد يعصف بأرواح الأسرى الغزيين ويؤدي بهم إلى الوفاة، كما أن التجويع الذي يتعرضون له متعمد وسياسة صهيونية للإجحاف في حقوقهم.
شهادات التعذيب
بعض الأسرى من الضفة المحتلة والذين أفرج عنهم مؤخرا يصفون حال أسرى غزة بالكارثي دون أي اهتمام بملفهم، حيث يقول أحدهم إن الاحتلال يضع بعض أسرى غزة في قسم ٢٣ بسجن عوفر، ويتعرضون لتعذيب على مدار الساعة لدرجة أن صوت صراخهم يسمع في جميع الأقسام.
ويقول لـ مكتب إعلام الأسرى إنه شاهد عبر شق صغير في باب الغرفة أحد السجانين وهو يحمل وجبة طعام لأول مرة منذ أربعة أيام وينادي على أسير من قسم ٢٣، وحين يخرج الأسير يأمره السجان بالزحف على ساقيه وذراعيه وتقليد نباح الكلب حتى يصل للسجان ويأخذ وجبته بفمه ويعود زحفا للغرفة، وهكذا كل الأسرى.
أسير آخر قال لـ مكتب إعلام الأسرى إن إطلاق الكلاب البوليسية بات أمرا شبه أسبوعي في القسم الخاص بأسرى قطاع غزة، حيث يتم إفلاتهم دون واقي الأنياب وتركهم ينهشون أجساد الأسرى محدثين جروحا عميقة دون تقديم أي علاج لهم.
وأضاف:" أحد أسرى قطاع غزة تعرض لقطع أذنه من قبل أحد السجانين فقط لأنه استفسر عن اسم المكان الذي هو موجود فيه، وآخر تم تحطيم كل أسنانه بضربات من سجان عليها بقوة شديدة".
كان أسرى سجن عوفر يستمعون بلا حول ولا قوة لأنين أسرى قطاع غزة ليلا ونهارا جراء التعذيب المستمر، وأحيانا لا يُسمح لهم بالتألم حتى ويتم ضربهم حتى يتوقفوا عن إظهار صوت الألم.
يحاول محامون متبرعون التعرف على أوضاع أسرى القطاع دون جدوى، حيث تغلق إدارة السجون الصهيونية أي حديث حولهم وتجبر المحامين تحت التهديد على التراجع عن أي استفسارات حولهم أو أي دعاوٍ قضائية بهذا الخصوص.
وبين هذا وذاك، تعيش آلاف العائلات أوضاعا قاسية في ظل حرب الإبادة من جهة، وقلقها المتزايد على أحوال أبنائها الأسرى من جهة أخرى، وسط تخوفات قاتلة حول إمكانية إعدامهم وهم أحياء كما حدث لعشرات المعتقلين ممن يرفض الاحتلال الإفصاح عن مصيرهم.