للمرةِ الأخيرة ،، مجدداً؛ لكن للمرةِ الأخيرة، سأمسكُ قلمي الهرِمَ بيدي العاجزة، لأكتبَ رسالتي المتكئةَ على عصا الشيخوخةِ، والمغلفةِ بظلماتِ السجنِ والمرضِ والموت، لا أقولُ المرةَ الأخيرةَ تشاؤماً، بسبب كثرةِ خذلانِ نداءاتي السابقة، ولا لكثرةِ فقدي لإخوانٍ كانوا معي ورحلوا عن الدنيا بعد أن غابَ عنهم المصير، ولا لرؤيتي لهم أثناءَ اقتيادِهم مكبلينَ وهم شهداءُ لثلاجةٍ، فيمضون ربما لسنواتٍ أو عقودٍ بداخلِها، ولا أقولُ إنها المرةُ الأخيرةُ لأستثيرَ عواطفَكم أو أُبكي عيونَكم، لا والله، فأنا من تعلَّمَ من جبالِ فلسطينَ الشموخ، ومن صخورِها الجلَد، ومن أشجارِها الرسوخ، ومن أزهارِها الحب، ومن طيورُها السمو، بل أقول للمرةِ الأخيرة لعلمي أن لقاءَ الله الذي طالما انتظرتُه قد اقترب، وأن فراقي للقيد والقضبانِ بات وشيكاً، وفي هذا لن أُطيلَ رسالتي الأخيرة، ولن أُكرر نداءاتِي الكثيرة، أو أصفَ معاناتي الأليمة، فكلُّها بين أيديكم، وأمام ناظركم، وإنما سأخطُّ رسالتي بل وصيتي لكم، ألا تتركوا من بقيَ من الأسرى من بعدي خلفَ القضبان، وكونوا الأوفياءَ لجهادِهم وتضحياتُهم، بأفعالِكم، ورصاصكِم، وصواريخِكم، فهي الكفيلةُ بتحريرِ فرسانٍ أعادوا للأمةِ هيبتَها، ولفلسطينَ عزّتَها، وللقدسِ طهارتَها.