لم أكن يوماً كاتباً ولم أكن يوماً أرغب بالكتابة، إلا بعدما عرفت معنى الموت واستطعمته وشعرت به مراراً وتكراراً .. لقد كان شديد المرارة، شديد الأذى، شديد الهم!!
قد يسأل سائل ويقول ما لهذا الأسير يهذي ويقول إنه قد ذاق الموت وهو حي يرزق؟!!
أقول من مرض بالكورونا داخل السجن سيرى أن الموت أهون على الجسد والنفس من ذلك المرض، وأنت ترى السجان يحرمك أبسط حقوقك بالعلاج كإنسان، وأنت تعاني لوحدك دون يد حانية تقرأ عليك آيات من القرآن تشفي بها صدرك، دون دواء تخفض درجة حرارتك الملتهبة، وأنت تسمع صديقك بجانبك يئن بصمت وتسمع يا الله يصرخ بها جارك في الغرفة المقابلة، فلا مجيب لنا إلا الله ولا ناصر لنا إلا الله ولا معين لنا إلا الله وحده..
نسمع ذلك المسؤول يقول إن الكورونا قد أصابت كل الدنيا والأسرى جزء من الدنيا!!
لا.. نحن لسنا جزءاً من الدنيا، بل كل الدنيا، نحن من غُيبنا بين عتمات السجون لسنوات وسنوات ولم نشكي إلا لله وحده، نحن من نُسينا كل هذه السنوات وما زلنا نقاتل ونقاوم ونكافح، لا نريد من أحد شيء فدعونا نموت لوحدنا بوجعنا ولا تذكرونا ولا تذكروا بطولاتنا ولا حتى تطلقوا علينا شهداء، فتجارتنا مع الله وحده..