عندما دبت كورونا دبيبها في أقسام ريمون هذا السجن الذي يقبع فيه كبار السن من الأسرى والمؤبدات، سجن بعيد في الصحراء، من ضمن أكبر وأهم السجون، استنفر الأسرى دون سجانيهم، ودب الخوف فيهم على أنفسهم، بعد أن عاشوا شهوراً يخافون أحبابهم في الخارج إنقلبت الآية الآن، وبالطبع سجانهم لا يكترث، فبكل وقاحة يقول لهم سجانهم نعم أنا معي كورونا وها أنا في دوامي أقابلكم،كيف لا وهم من يتمنون زوالنا جميعاً، الظلم عن السجان معروف على مدى العصور، ولكن ظلم جسانينا لا مثيل له، فهم من أسلبوا الأرض، وقتلوا الأبرياء، وسجنوا من فكر يوماً بأن يرفع رأسه بكرامة!
عندما مرض ذلك السجين الأول الذي ظهرت عليه أعراض المرض، لم تكلف الإدارة نفسها إلا بعلاج للإنفلونزا العادية، كيف استبعدوا كورونا في ظروف كهذه، كيف شخصوا حالته بالانفلونزا العادية؟ وتجرؤوا على إعادته ين زملائه لأربعة أيام أخر، وعندما لم تنخفض حرارته عن الأربعين فكروا بإجراء الفحص فتبين ما تبين، عزل من معه في الغرفة وبدأت الفحوصات للجميع، لم تظهر النتائج إلا بعد يوم ونصف اليوم، بوتيرة بطيئة على مدى اليوم ظهرت النتائج، وبدأت أسماء المصابين تظهر تباعاً، ما يزيد عن ٣٨ اسماً في قسم يتواجد فيه ٩٠ أسيراً، كل من جهز نفسه للعزل، اقتيد لقسم جديد فقط، لا لعيادات ولا لأقسام خاصة لمتابعة العلاج، من يقع منهم، ويتداعى، يؤخذ للمستشفى فقط، يواجهون المرض والعزل والمجهول، فلا هم يصلون أهلهم، ولا أحبتهم يطمئنون عليهم، في القسم رقم ٤ أحد الأقسام التي انتشر فيها هذا الوباء، وفاقمت هذه الجائحة هموم أسرانا يقبع زوجي الغالي ماهر، أصبح زملاؤه يتغيبون، واحداً تلو الآخر، حتى بعد النتائج الأولى ظهرت أعراض عند آخرين، تطلبت إعادة الفحص ليتبين إصابتهم، بدأ يطالع الجميع بعضهم البعض يتسائلون من التالي؟
في السجن لا مجال للتباعد فالغرفة التي لا تزيد عن مترين طولاً بعرض، يقطن فيها ست أسرى في أفضل الحالات، ولا مجال للتهوية أوالتعقيم، لم يقف الأسرى مكتوفي الأيدي، حاولوا بما يتوفر لديهم من منظفات ومعقمات بسيطة كالماء والكلور أن يعقموا ما توقعوا أنه يبقيهم في سلامة، لا كمامات كافية، ولا مساحة، ولا تهوية.
ماذا يفعل الأسرى الآن وهم يخرجون من ضائقة لضائقة، بين العدد والتفتيش والتضييق، وقلة الدواء والعلاج والعناية، بين حملات القمع والضرب والتنكيل، والعزل الإنفرادي لمن يعترض، تراهم بين الفينة والأخرى يجابهون مشكلة جديدة، أجهزة التشويش منذ أعوام، خافول أن تسبب لهم السرطان ثاروا وأضربول فقمعوا وعزلوا، تهديد حكومة الاحتلال بملاحقة مخصصاتهم الشهرية ثاروا واعترضوا وأضربوا، فما كان من الإحتلال دوماً إلا أن نفذ ما عزم عليه منذ البداية!، والآن تركهم في جائحة كورونا منذ بدايتها دون تخفيف عدد الأسرى في الغرف، أو توفير سبل الوقاية،أو تحرك دولي أو حتى عالمي لإنقاذهم، ماذا يفعل الأسرى؟ لمن يلجئ أمثالهم؟ ومن يكون لهم نصير؟
هي يتوقع الجميع منهم أن يصبروا ويحتسبوا ويرضوا بواقع الظلم هذا، هل ينام الناس في بيوتهم بعد كل هذا متأففين من طقوس الحجر الآمنة التي يتوفر فيها كل شيء ولهم أخوة تركوا للمجهول والمرض وظلم المحتل ينهش بهم؟
ضاقت والله عليهم وهم يتساءلون عن أعراض المرض، وكيفية الوقاية منه، وسط جهل الكثير منهم لعدم توفر الإرشادات حتى، ماذا يفعل أمثالنا (أهاليهم) كيف نطمئن عليهم، وكيف نمضي أيامنا بعد اليوم، هل ننتظر سماع أخبارهم وندعو الله أن يكونوا بخير، لمن نتوجه لنوفر لهم سبل العلاج والوقاية؟ هي تساؤلات تدور في رؤوسنا، هي مخاوف تزورنا في كل لحظة ودقيقة، كيف نمضي أيامنا أقوياء ونقوي أبناءنا، كيف نطمن ذويهم الذين أكل منهم العمر مأكلاً، كيف نقنعهم بأن الأمور ستكون بخير؟ وأن أبناءهم أقوى من كل هذه المآزق والضروب التي تفتك بهم؟
أجيبونا بالله عليكم على تساؤلاتنا، أوجدوا لنا الحلول فإن عقولنا قد توقفت من هول ما نسمع ونعيش، تربطت عقولنا وقيدت عن التفكير في أي إتجاه يجب أن نتحرك، أصابتنا هذه الصدمة الأخيرة بالجمود، أزيحوا عنا هذه الغمة، ساعدونا بما استطعتم، فنحن وأسرانا نحارب وحدنا من لا يرحم طمئنونا فنحن فعلاً لسنا بخير!