رام الله- إعلام الأسرى
لا تملّ أم حسن من النظر في هاتفها لتتمعن كل يوم صورة فلذة كبدها الأسير؛ تنظر إليه بل وتحدّثه أحيانا وتغالبها الدموع في أحيان كثيرة، فمحمد ابنها الأصغر عانى كثيرا أمام عينيها وهي الأم التي وجدت نفسها لا تقوى على فراقه.
وكما خيرة شبان فلسطين يقبع الشاب محمد محمود عطية (٢٢ عاما) من بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة في سجون الاحتلال منذ عام ٢٠١٨، وعلاوة على هذا القهر يعاني من إصابة بالرصاص المتفجر المحرم دوليا، وهو ما يزيد قلق عائلته وخاصة والدته التي تصل ليلها بنهارها وهي تدعو له بالفرج.
ولد محمد الشاب الخلوق في ١٩/٤/١٩٩٨، وبدأت ملامح شخصيته تكبر معه منذ صغره؛ فهو الخلوق الملتزم المثابر الذي يحب فعل الخير ويقدم دون مقابل ويسعى للعمل بكفاح دون أن ينتظر شكرا أو مديحا.
وتقول أم الحسن لـ مكتب إعلام الأسرى إن ابنها يعرفه كل أهالي القرية بعمله ونشاطه وحركته؛ حيث يحب مساعدة الآخرين ويتطوع للعمل في الحملات الخيرية والنشاطات التي تساهم في مساعدة الناس أيا كان الجهد الذي يصاحب ذلك.
ولأن طاقته حيّة كان محمد مستهدفا من قبل الاحتلال الذي يحاول قتل أي روح مفعمة بحب فلسطين، ففي عام ٢٠١٥ أصابه الجنود برصاص متفجر في فخذه أثناء عودته لمنزله، وبدأت بعدها معاناته التي لم تنته.
وتوضح الوالدة بأن محمد نقل إلى المستشفى وبقي فيها لمدة أسبوع تحت حراسة الجنود مكبلا بالسرير ودون أن تتمكن عائلته من رؤيته، ثم نقل إلى مركز تحقيق المسكوبية دون أي مراعاة لجرحه الغائر.
عقد الاحتلال جلسات عدة لمحمد؛ وبعد جهد المحامي الأسير حاليا طارق برغوث؛ تم الحكم عليه بالإبعاد لمدة شهر إلى أريحا مع كفالة مالية بقيمة ٥٠٠ شيكل.
وتبين والدته أن الاحتلال لم يسمح له بالتوجه إلى منزله قبل قضاء فترة الإبعاد حيث تم نقله فورا إلى أريحا، وهناك عاشت العائلة حالة صعبة ما بين المدينتين، أما جرحه فزاد عليها المشقة، حيث كان يراجع المستشفى في أريحا لتغيير الضماد على جرحه.
وتضيف:" ساقه كان فيها ٤٤ كبسة معدنية لمنطقة كل الفخذ، وبعد انقضاء الشهر توجهنا به إلى مشفى في القدس ليبلغوننا بعد الفحوصات أنه يجب إعادة العملية الجراحية لأن الأولى كانت فاشلة، وبعدها أصبح يخضع لجلسات علاجية".
بسبب الإصابة قصُرت ساق محمد نصف سنتيمتر ولكنه يتقبل وضعه الجديد ويتعايش معه؛ بل ويحمد الله على هذا الابتلاء، ثم أصبح بحاجة لعملية إزالة البلاتين من ساقه، ولكن الاحتلال كانت له مخططات أخرى.
السجن والإرادة
بعد إصابته تعرض محمد للاعتقال ثلاث مرات كان يمكث في كل منها أسبوعا ويتعرض لعقوبات أخرى، ورغم وضعه الصعب إلا أنه أصر على إكمال دراسته.
وتشير والدته إلى أن كل الظروف التي رافقت محمد لم تفت من عزيمته؛ وأكمل دراسته في الثانوية العامة حتى نجح وحصل على الشهادة، رغم أن وضعه الصحي كان صعبا وكان يتوجه لقاعة الامتحان على عكازيه وينتظره والده أمام القاعة حتى يساعده في العودة للمنزل.
كانت فرحة لا توصف حين نجح محمد؛ فقامت عائلته بتنظيم حفلة له؛ ثم أراد تخصص التربية الرياضية ليكون معلما لها ولكن إصابته وقفت عائقا، ولكنه لم يستسلم، وأصر على تحقيق حلمه مذ أن كان طفلا فتخصص في التربية الرياضية.
وفي فجر يوم ٢٣/١/٢٠١٨ اقتحمت قوات الاحتلال منزله في العيسوية بقوات كبيرة من الجنود؛ واعتقلوه حينها وهددوا والدته بالمحاكمة والاعتقال بسبب بحثهم عن هاتفه النقال، كما أدخلوا الكلاب البوليسية في محاولة لترويعها.
وتضيف الوالدة بأن الاحتلال وجه له ٢٢ تهمة أبرزها الانتماء لحركة حماس وإلقاء زجاجات حارقة وكتابة شعارات على مواقع التواصل الاجتماعي، فتم الحكم عليه لمدة ٣١ شهرا و١٠ آلاف شيكل، وكانت عليه قضية أخرى فتم الحكم عليه بالسجن لشهر وألف شيكل.
ولكن إرادته ازدادت قوة وصلابة حتى داخل الأسر؛ فحاز على عدة شهادات بينها التجويد وتغلب على ألم إصابته وأصبح خطيب الجمعة في السجن.
وتختتم الوالدة بالقول:" محمد مختلف عن أبناء جيبه فهو يحب النشاط والعمل ويشهد له الجميع بحسن أخلاقه ومثابرته، ولكن الاحتلال يحاول تغييب هذه النماذج بالاعتقال والإصابات.. وحسبنا الله ونعم الوكيل".