رام الله- مكتب إعلام الأسرى
تجلس أم نضال في منزلها الضيق في أحد أزقة مخيم الدهيشة جنوب مدينة بيت لحم؛ تنظر إلى الصور المتناثرة على جدران غرفتيْ الجلوس والضيوف اللتان تمتلآن بعشرات الصور لأبنائها وأحفادها وقادة فصائل وشهداء وأسرى من مختلف التوجهات.
ولطالما عرفت أم نضال أبو عكر بأنها أم الشهداء والأسرى؛ فأبناؤها الخمسة تعرضوا لظلم الاحتلال بكل أشكاله؛ وكان من بينهم محمد الذي استشهد عام ١٩٩١ متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال.
ولا تختلف السنوات كثيرا على هذه العائلة؛ فالاعتقالات تتكرر بحق أفرادها عاما بعد آخر؛ أما نضال الابن الكبير فهو الأكثر تعرضا لها، والآن وبعد أن كبر نجله محمد أصبحا يتشاركان السجن وقهره.
وتقول أم نضال لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال اعتقلت كل أبنائها لفترات مختلفة؛ وكان نضال يتم اعتقاله منذ أعوام الانتفاضة الأولى، فيقضي أكثر من عام في كل مرة ويتحرر لفترة قصيرة ثم يعاد اعتقاله.
أكثر من ١٨ عاما أمضاها نضال في سجون الاحتلال مجتمعة؛ لا يكاد يتنسم الحرية حتى يعود للسجن من جديد، أما التهمة فهي أنه يحب وطنه ويدافع عنه بالكلمة والرأي والموقف.
وتؤكد أبو عكر بأن الاحتلال حوّل نضال للاعتقال الإداري عدة مرات والذي أمضى فيه سنوات طويلة، ولكنه في إحدى اعتقالاته عام ٢٠١٦ لم يصبر على هذا القهر فأعلن عن إضرابه المفتوح عن الطعام.
استمر الإضراب لمدة ٤٠ يوما صمد خلالها نضال ليحقق مطلبه ويثبت وجهة نظره برفض الاعتقال الإداري المقيت وتجديده له فور انتهائه دون تهمة ولا محاكمة، وبعدها رضخ الاحتلال لمطلبه وحدد له سقف اعتقاله الإداري ليخرج منتصرا على السجان.
ولكن تلك الفرحة لم تدم طويلا؛ حيث أعيد اعتقاله من جديد بعد أقل من عام من الإفراج عنه، ولكن اليأس لم يتسلل إليه أو لعائلته.
وفي عام ٢٠١٨ اعتقل الاحتلال نجله محمد؛ الذي يتهمه بنشاطات كثيرة في مخيم الدهيشة على نهج والده؛ وخلال اعتقاله الإداري قرر الأسير السير على خطى أبيه بإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام مع رفيقه الأسير مصطفى الحسنات؛ لينتزعا قرارا بإنهاء اعتقالهما الإداري بعد ٣٩ يوما من الإضراب.
ولكن الاحتلال لا يعرف الوعود؛ فبعد أشهر من الإفراج عنهما أعيد اعتقالهما مجددا؛ وقبل أيام قليلة اعتقل محمد بعد مداهمة منزله والاعتداء على عائلته.
وتقول جدته أم نضال:" هجموا على منازلنا واعتدوا علينا وفجروا الأبواب؛ وكأنهم يريدون فقط تخويفنا؛ وبعدها اعتقلوا محمد بوحشية ونقلوه إلى آلياتهم".
قبل اعتقال محمد بأشهر قليلة اختطفت وحدات خاصة صهيونية والده نضال؛ وبعدها بأسبوع توفي والده المسن الذي ملت قدماه زيارات السجون لأبنائه والمكوث في المستشفى مع نجله قبل استشهاده.
وتؤكد الحاجة أم نضال بأن ضابط المخابرات الصهيوني كان قال لنضال بعد اعتقاله بدقائق "سوف يموت والدك وأنت في السجن"، وبعد أسبوع واحد توفي الوالد قهرا.
قليلة جدا هي المناسبات التي تجتمع فيها العائلة كلها؛ فدائما هناك غائب في الزنازين؛ وبعد استشهاد محمد أصبح هو الغائب الدائم، لينغرس جرح لا يندمل في قلب كل فرد من العائلة.
أزقة المخيم تفتقد نضال ونجله محمد اللذين يعرفهما كل كبير وصغير فيه؛ فعلامات السجن حفرت في ملامحهما ليس قسوة بل صبرا وقوة، كبر محمد قبل أوانه وأصبح جزءا من سلسلة الثبات المتعاظمة التي تعيشها عائلة أبو عكر.
وتضيف أم نضال:" لا توجد حياة عادلة هنا؛ فنحن منذ النكبة نعيش القهر؛ لجأنا إلى هذا المكان وتعاظم قهرنا؛ ثم بدأت الانتهاكات بحقنا؛ اعتقال واستشهاد وجرح ومضايقات، لا أذكر أنه مر عام علينا دون أن نعاني من اعتداء، ولكن ذلك يزيدنا قوة وإصرارا ويجعلنا متمسكين بحقنا التاريخي".
كل تلك الظروف جعلت أم نضال واحدة من الرموز الأصيلة في المخيم؛ لا تُنظم وقفة أو فعالية إلا وتكون أول الحاضرين؛ فهي تعتبر أن الأسرى والشهداء هم جميعا أبناؤها، وتحتضن أهاليهم وعائلاتهم كأنها تقول لهم "لا تحزنوا.. أنتم أشراف هذه الأرض"..