قبل أيام اتصل بي أحد الأخوة الأحبة، من الأسرى المؤبدات يحدثني عن الأيام التي تمضي، عن همه وفشل إبرام صفقة للتبادل، و تجاوزه الـ ٤٧عاما من العمر.
الصديق كان ياخذني إلى استشارة فهمتها، فخففت من خجله، وقلت: أنت تبحث عن شخص يحمل عبئ الحديث عن قرار لديك بالزواج.
وافقني ذلك ثم قال " قبل ٢٠ عاما كنا واياك في المعتقل، اليوم لديك بيت وزوجة وأبناء، وأنا ما زلت في المعتقل، ليس لدي ما أحدث عنه، الوالد توفي، الأعمام، الأخوال بعضهم، حتى الأشقاء دخلوا سن الشيخوخة.
مسار الحياة جاف لم يعد فيه من أحدثه، ولا من يستطيع زيارتي، لذلك أبحث عن أنيس يسندني كزوج وإبن، حتى إذا كتب الله الفرج وجدت بيتا يحمل عني وأحمل عنه.
في البداية أربكني الأمر، وقلت كيف له الزواج وهو في المعتقل؟
أيصح نقل حمل الأسر على أكتاف إمرأة لم تخبر المحن؟
أيمكن لمرأة القبول بذلك؟
ظلت نقاشات النفس التي لم أحدث أحدا بها، حتى صباح اليوم بعد الفجر جاءت إبنتي ريما الصغيرة واحتضنتني نامت الى جانبي... تذكرت حوار الصديق عن الأنس والحب والأبن.
شعرت أن الأنانية قاتلة لدينا وأننا نحارب الروح وحاجتها، الأمل واليقين معا، الحب وفطرته، السعادة وأن تكلفنا في صناعتها.
اليوم يحق للأسير أن يكون له زوجة وولد... طلبنا منه الجهاد فقاتل، والتضحية ففعل، والصبر فصبر، والثأر فثأر.
طلبنا منه الحياة فاعطى والعمر فافنى والروح فما أبقى ... اليوم نحن نحاصره في حق واجب له، وفي حلم بذلنا نحن لاجله كل غال.
اليوم يجب السعي لفتح بيوت للأسرى، وعمل جاد لزواجهم خاصة المؤبدات، وتمكين إنجابهم من خلال النطف المهربة.
هنا لا اتحدث ببعد عاطفة واعلم بعض المحاذير الممكنة، لكن ليس اكبر من محذار قلة الوفاء ولا التضحية التي ترد الجميل.
هناك أخوات يقبلن، يطلبن عيشة كريمة، وحب صادق، وملاذ آمن، وان لم يتحقق الاتصال البدني فهناك ما هو أعمق من ذلك.
موضوع ترددت الكتابة عنه، لكن ما بت أراه في الاسر، أخوة يمضون الى الشيخوخة، بعضهم بات عمره يقارب ٦٥ عاما ... لا أرث له إلا ذكريات نسيها الكثير.
اليوم ومن خلال ما أعرفه من حديث نفس للاسير أبوح ببعض المكنونات وخلجات الصدور.
اليوم يجب أن نكون سفراء الوفاء لهم ... بيوت سعادة وحياة.