لم يكن خبر بدء إضرابه المفتوح عن الطعام مستغربا وسط عائلته؛ فهي كانت تعلم أن هذا اليوم قادم لا محالة، لأن روحه العنيدة وإرادته الصلبة ترفضان استمرار اعتقال جائر يسمى بالاعتقال الإداري دون أدنى ردة فعل!
الناشط محمد الزغير من مدينة الخليل هو ذاك الأسير العنيد الذي رفض استمرار مهزلة الإداري بحقه؛ وأبلغ زوجته وعائلته بقراره النهائي الذي لا رجعة عنه أنه سيخوض الإضراب عن الطعام حتى ينتهي هذا الاعتقال بحقه، ولم يسمح لدموعهم أن تضعفه أمام قراره الصلب بل استمر في خطوته واضعا هدفا واحدا وأساسيا هو إسقاط الاعتقال الإداري.
ومن عرف محمد يعرف تماما أنه لن يتراجع عن مطلبه؛ فهو ناشط ضد الاستيطان في محافظته التي ينهشها المستوطنون بحقدهم؛ وطالما تعرض للاعتداء أثناء توثيقه جرمهم؛ وهو ناشط في الحراك الفلسطيني ضد الضمان الاجتماعي الذي نجح في إسقاطه؛ وكان أخيرا أحد أبرز قادة حملة الفجر العظيم التي بدأها من المسجد الإبراهيمي في الخليل ثم انتشرت في كل مساجد فلسطين.
هذا النشاط ترى عائلته أنه لم يرق لجهات عدة أولها الاحتلال؛ وبالتالي كان اعتقاله في التاسع عشر من نيسان/ أبريل الماضي بعد مداهمة منزله.
وتقول زوجته أم البراء لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات مدججة من جنود الاحتلال داهموا منزلهم في تلك الليلة وخربوا محتوياته وشرعوا بتفتيشه؛ ثم اقتادوا زوجها إلى إحدى الغرف وبدأوا بالتحقيق الميداني معه لما يقارب الساعة.
وتوضح بأن أطفالها الثلاثة كانوا نياما؛ وحين استيقظوا كان والدهم قد تم نقله للآليات العسكرية، وبعد عدة أيام علمت العائلة أنه تحول للاعتقال الإداري لأربعة أشهر.
وبعد ذلك تم تجديد الإداري بحقه؛ ما دعا العائلة لخوض معركة قضائية للاستئناف على القرار؛ ولكن محاكم الاحتلال تتساوق مع مزاج المخابرات الصهيونية فرفضت كل أشكال الاستئناف وأبقت على قرار اعتقاله إداريا.
وتشير زوجته إلى أن زوجها في أحد الأيام وبعد رفض آخر استئناف أبلغها بقراره دخول معركة الإضراب؛ فرفضت وقالت له إنه سيؤثر على صحته؛ ولكن ذلك لم يقلق محمد بل زاده إصرارا وقال لها بالحرف الواحد "كرامتي فوق كل شيء".
يواصل الأسير إضرابه لما يقارب الأسبوعين؛ والرد الأول الفوري من إدارة سجون الاحتلال كان نقله لزنازين العزل في سجن النقب مع بدء علامات التدهور على صحته ومنعه من لقاء المحامين أو رؤية عائلته.
الأسير الزغير كان اعتقل عدة مرات سابقا أمضى خلالها ما مجموعه ثلاث سنوات ونصف معظمها في الإداري، وكل ذلك على خلفية نشاطه المناهض للاستيطان والاحتلال.
والأسير متزوج منذ سبع سنوات ولديه براء الذي يبلغ من العمر ست سنوات؛ وطفلتين بين عمر عام ونصف وثلاثة أعوام، وهم جميعا يفتقدون وجوده بينهم ويرون صوره منتشرة والوقفات التي تنظم له فيسألون والدتهم عنه.
وتضيف الزوجة:" براء يعرف تماما أن والده معتقل وأنه لا يأكل ولا يشرب لأنه يريد الخروج من السجن؛ ولكن الطفلتين لا تفهمان كثيرا ماذا يعنيه الاعتقال وتكرران السؤال حول والدهما".
وتصف زوجته محمد بأنه مناضل عنيد وأنه من المستحيل أن يتراجع عن مبدئه أيا كان الثمن، وهي على قناعة أنه رأى ما هو أصعب من الإضراب كي يخوض الإضراب لإسقاط الاعتقال الإداري كما شارك سابقا في إسقاط قرارات جائرة.
أما معنوياته فهي تناطح السماء وكأنه متوجه إلى معركة يعلم نتيجتها مسبقا، لم يكترث بتوسلات عائلته خشية على صحته بل مضى في قراره متشبثا بحقه التاريخي الأهم والأبسط وهو الحرية.
محكمة الاحتلال رفضت الإفراج عنه قبل أيام ولكن ذلك لم يزده إلا إصرارا.. فعسى أن تبزغ الشمس بعد كل هذه الحلكة.