كان شعوراً لا يوصف حين استقبلت عائلة "أبوصلاح" حفيدها "أسعد" من خلال نطفة مهربة، مشاعر مختلطة بين الفرح والحزن .. فرحاً بتحرر قطعة من نجلها "فهمى"، وحزناً كونه أسيراً لا يستطيع مشاركتهم تلك الفرحة الكبيرة .
بدأت القصة بسؤال متكرر من طفلة الأسير " فهمى أسعد أبو صلاح" من شمال قطاع غزة والمحكوم بالسجن لمدة 22 عاماً، ومعتقل منذ عام 2008 ، حيث تسأل والدتها على الدوام "ماما أنا ليش معنديش أخوة"، وكان والدها اعتقل بعد ولادتها بـ40 يوماً فقط.
هذا السؤال أرّق الزوجة كثيراً، حتى أبلغت زوجها الأسير بالأمر في إحدى الزيارات مع أنها حريصة على قضاء فترة الزيارة القصيرة دون أي ازعاج لزوجها فيكفيه ما يعانيه من أوضاع صعبة خلال سنوات اعتقاله .
عند سماع سؤال الصغيرة ساد صمت رهيب في قاعة الزيارة، حتى أن الزوجة ندمت ندماً شديداً على طرح هذا الموضوع، وفى الزيارة التالية كان زوجها قد درس الأمر كثيراً وقرر أن ينجب أخاً لطفلته عبر النطف المهربة، وأبلغ زوجته بالأمر وأن عليها أن تكون جاهزة بعد إبلاغ أهله والمعنيين بالأمر لترتيب كل ما يلزم من أجل تحقيق هذا الحلم .
كان الأمر حلماً ثم تحول إلى واقع ، تم تهريب النطفة ، تم اجراء التلقيح الصناعي المطلوب، حملت الزوجة تقول " مي" زوجة الأسير فهمى أبوصلاح" بعد ثمانية أشهر من الحمل، خرج سفير الحرية " أسعد " ليزين حياتنا ويضيف قطعة سكر جديدة إلى العائلة من أثر "أسعد" ويعيد لها معالم الحب والفرح وربما القوة، بعدما كان البيت وحيداً حزيناً على غياب عموده الرئيسي.
كانت لحظة لا توصف لوالد الأسير "فهمي" عندما دخل عليه حفيده "أسعد" وهو مبستماً يحمل في يده شهادة الروضة، وينادي"جدي جدي جبت الشهادة " يقول وكأن الزمن عاد للوراء 25 عاماً وتخيلت إبنى الأسير "فهمي" وهو يدخل علي في هيئة نجله، فأخذت في البكاء .
يقول الجد "هذه اللحظات لا يمكن لكل حروف اللغة أن تصف شعوري .. فقد شممت رائحه إبنى في حفيدي، ونسيت كل سنوات الألم والحزن التي عشناها منذ اعتقال "فهمي" إنه قطعة منى إنه روحي وقلبي .
ويضيف والد الأسير " كم كنت سعيداً عندما طلب منى الصغير أن التقط له صورة بالشهادة ليرسلها لوالده الأسير، وحبست دمعى مراراً وتكراراً ولكن فرحه الطفل بالشهادة وفرحتنا كذلك بقرحته قبلت المشهد إلى فرحة كبيرة ، وأخذنا في التقاط الصور معاً .
يمازحهم اليوم الطفل "أسعد" متباهيًا ببطولاته بعد كل إنجاز أو احتفال أو حتى بعد استلامه شهادة الروضة الأولى لا سيما مع شقيقته الوحيدة "منى"، "بابا مقدرش يطلع من السجن بعتني أنا"!
أما عن الزيارة الأولى للطفل "أسعد" لوالدة الأسير في سجن نفحه فقد كانت مختلفة تماماً عن كل الزيارات بعد أن سمح له الاحتلال بالزيارة بعد عناء طويل، حيث كان الاحتلال لا يعترف به .
تقول جدتة الطفل بقيت طوال الليل مستيقظة ولم أستطيع النوم وأنا أفكر كيف ستكون الزيارة الأولى، وكيف سيقابل الطفل أسعد والده، وهل سيقبل عليه أم يخاف منه لأنه لا يعرفه إلا عبر الصور، وهي غير كافية، حسب اعتقادها .
وأضافت الجدة "أم فهمي" أمضيت فترة الزيارة وأنا أبكى من التأثر بهذا اللقاء العاطفي الأبوي الملئ بالفرح والسعادة والحزن معاً وشعرت بأنه حلم وليس حقيقة ، وخاصة حين أدخلوا الطفل إلى والده واحتضنه بشكل مباشر .
الطفل "أسعد" أضاف إلى العائلة روحاً جديدة ، يوم ولادته وكان أسيرهم " فهمي" هو الذي خرج إلى الحياة وليس الطفل الذي خرج من رحم أمه .
إنها إرادة الحياة التي قهرت إجراءات الاحتلال بعد أن كانت أملاً وحلماً راود الأسرى لسنوات طويلة، وخاصة القدامى منهم، وأصحاب المحكوميات العالية، حيث تنقضي أعمارهم داخل السجون، ويتلاشى حلم الأبوة رويداً رويداً مع تقدم العمر، اليوم ـصبح واقعاً حقيقياً، وخرج من عتمه الزنازين 89 سفيراً للنور والحرية، خلقوا الحياة من قبور السجون .