تجريد الأسرى من إنسانيتهم: تقرير حقوقي يستند إلى شهادة الأسير المحرر محمد شماسنة
تقرير/ إعلام الأسرى

يرصد هذا التقرير جانبا من الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد اندلاع العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 استنادا إلى شهادة الأسير المحرر محمد شماسنة، من بلدة قطنة في القدس، الذي أمضى أكثر من ثلاثين عامًا في الاعتقال وجرى الإفراج عنه في صفقة "طوفان الأحرار الثالثة" عام 2025.

تشكل إفادته نموذجا لما وصفه الأسرى بـحرب الإبادة داخل السجون، حيث ترافقت مع ظروف قاسية تمس الكرامة الإنسانية، وتخالف القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة الخاصة بمعاملة الأسرى والمعتقلين.

أولًا: عزل الأسرى وحرمانهم من الاتصال بالعالم الخارجي

وفق شهادة شماسنة فقد بدأت الإجراءات العقابية منذ اليوم الأول للحرب عبر سلسلة من الانتهاكات الممنهجة تمثلت في:

- قطع وسائل الإعلام والاتصال كافة، بما في ذلك القنوات الإخبارية وأجهزة الراديو بهدف عزل الأسرى تمامًا عن العالم الخارجي.

- مصادرة الأجهزة الكهربائية والراديوهات ومنع أي وسيلة لمعرفة الأخبار أو متابعة أوضاع ذويهم.

- منع الاتصالات الهاتفية وتشويشها بشكل متعمد ما جعل الأسرى صما داخل عتمةٍ مغلقة، بحسب وصف الشاهد.

هذه الممارسات تمثل خرقًا للمادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تضمن حق المعتقل في التواصل مع ذويه والاطلاع على الأخبار.

ثانيًا: العقوبات الجماعية وتجريد الأسرى من الاحتياجات الأساسية

رصدت الإفادة انتهاكات واسعة في سجن ريمون وسجون أخرى، حيث:

- تمت مصادرة المواد الغذائية والملابس والمراوح والمياه الساخنة.

- تحديد عدد قطع الملابس بقطعتين فقط لكل أسير، وفرض ظروف معيشية غير إنسانية هدفها إذلالهم وتحطيم معنوياتهم.

- تقييد وقت الاستحمام إلى أربع دقائق فقط بقرار من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مع انقطاع المياه خلال الاستخدام.

- تقليص الفورة (الخروج إلى الساحة) إلى الحد الأدنى ثم إلغاؤها تمامًا لأشهر طويلة.

تمثل هذه الإجراءات عقوبات جماعية محظورة بموجب القانون الدولي، وخرقًا مباشرًا للمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة.

ثالثا: التعذيب وسوء المعاملة

تؤكد شهادة الأسير شماسنة أن وحدات القمع في سجون ريمون ومجدو ونفحة ارتكبت أعمال تعذيب ممنهج، منها:

- الاعتداء الجسدي العنيف على الأسرى المقيدين بالأغلال (الكلبش)، بما يؤدي إلى جروح عميقة وتورمات دون السماح بتقديم علاج طبي.

- رش الغازات السامة والمخنقة داخل الزنازين بشكل متكرر.

- استخدام الكلاب البوليسية في الاعتداء على الأسرى، وإطلاقها لنهش أجسادهم.

- الاعتداء على كبار السن والمرضى دون تمييز.

- الحرمان من العلاج الطبي ما أدى إلى استشهاد عدد من الأسرى منهم القائد خالد الشاويش في سجن نفحة بعد إهمال علاجه.

وتنطبق هذه الممارسات على جرائم التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية كما يجرمها المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.

رابعًا: الانتهاكات الدينية

أشار شماسنة إلى أن سلطات السجون:

- منعت رفع الأذان وإقامة الصلاة الجماعية داخل الأقسام.

- صادرت المصاحف وسجادات الصلاة، وأجبرت الأسرى على أداء العبادات سرًا خوفًا من العقاب.

وهو ما يشكل انتهاكا صريحا للمادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تضمن حرية المعتقد الديني للمحتجزين.

خامسا: الإهمال الطبي وتفشي الأمراض

أكدت الشهادة أن سلطات الاحتلال:

- منعت توفير الصابون والماء الكافي لفترات طويلة.

- ألغت الاستحمام وغسيل الملابس، مما أدى إلى تفشي مرض الجرب (السكابيوس) بين الأسرى بشكل واسع.

- رفضت علاج المصابين رغم تفاقم الحالات وانتشار العدوى.

- تدخلت فقط عندما انتقل المرض إلى السجانين، ما يثبت تعمد الإهمال الطبي الممنهج.

ويعد ذلك خرقا للمادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم دولة الاحتلال بتوفير الرعاية الصحية والنظافة للمعتقلين.

سادسا: المعاملة التمييزية والتحريض

أشار الشاهد إلى أن السجانين من الطائفة الدرزية مارسوا أشكالًا من العنف المفرط تتجاوز في وحشيتها تعامل السجانين اليهود ما يعكس ثقافة عنصرية وتحريضية داخل المنظومة العقابية الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين.

سابعا: النتائج الحقوقية والتوصيات

تظهر الشهادة أن ما يجري داخل السجون الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر هو نظام عقوبات جماعي منظم يقوم على:

- التعذيب الجسدي والنفسي.

- الإهمال الطبي.

- الحرمان من الاتصال بالعالم الخارجي.

- انتهاك الحقوق الدينية والإنسانية.

وعليه يوصي مكتب إعلام الأسرى  بما يلي :

1. تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة بإشراف الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول الجرائم المرتكبة بحق الأسرى.

2. دعوة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاستئناف زياراتها المنتظمة لجميع السجون الإسرائيلية دون قيود.

3. ملاحقة قادة مصلحة السجون الإسرائيلية، بمن فيهم الوزير بن غفير، أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

4. تفعيل آليات الحماية القانونية الدولية للأسرى الفلسطينيين عبر مجلس حقوق الإنسان والهيئات الأممية ذات الصلة.

5. تضمين شهادات الأسرى المحررين ضمن تقارير حقوقية دورية توثق الانتهاكات الممنهجة، باعتبارها أدلة قانونية وشهادات موثوقة على جرائم التعذيب والإهمال الطبي.

إن شهادة الأسير المحرر محمد شماسنة تمثل وثيقة حية على جرائم الإبادة البطيئة التي تُمارس بحق الأسرى الفلسطينيين في انتهاك فاضح لكل القوانين والأعراف الدولية.

وتؤكد أن الاعتقال في السجون الإسرائيلية بعد حرب غزة لم يعد  تحول إلى جحيم منظم يستهدف إنسانية الإنسان الفلسطيني في صميمها.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020