إعدامات خلف القضبان : حين يتحول الأسر إلى موتٍ مؤجل

تشهد السجون الإسرائيلية مرحلة غير مسبوقة من الانتهاكات الممنهجة ضد الأسرى الفلسطينيين، وصلت إلى حد الإعدام الميداني والتصفية الجسدية بعد الاحتجاز، في ظل تحريض رسمي وتشريعات متطرفة تحاول منح هذه الجرائم غطاء قانونيا.

شواهد طبية وميدانية تفضح الإعدامات

أظهرت الفحوص الطبية والميدانية لجثامين عدد من الشهداء الذين سلّمهم الاحتلال مؤخرا آثار تعذيب وتقييد بالأصفاد وحروق ودهس بآليات عسكرية ما يؤكد تعرض بعضهم لعمليات إعدام ميداني بعد اعتقالهم.

وتعمد سلطات الاحتلال إلى احتجاز الجثامين في الثلاجات ودفنها في مقابر الأرقام في ممارسةٍ تتنافى مع القيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية التي تضمن احترام جثامين الموتى وكرامتهم.

تحريض رسمي وإقرار بالإجرام

الوزير المتطرف إيتمار بن غفير نشر مؤخرا مقطعا مصورا لأسرى فلسطينيين مكبلين وملقين على الأرض، وعلق عليه بالقول: "هكذا نعاملهم، وبقي علينا فقط إعدامهم" في تحريض علني على القتل يفضح العقلية الإجرامية التي تدير بها إسرائيل سجونها.

في المقابل كشفت قناة كان العبرية عن تفاهمات بين وزارة القضاء والمستوى السياسي لمحاكمة مئات الأسرى ممن وصفتهم بمقاتلي "وحدة النخبة"، في ظل تعذيب ممنهج ومعاملة لاإنسانية ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.

تشريعات القتل تحت غطاء الطوارئ

منذ إعلان حالة الطوارئ في السابع من أكتوبر 2023 استغلت الحكومة الإسرائيلية الغطاء القانوني الذي توفره هذه الحالة لتوسيع نطاق الاعتقالات وتكريس سياسة "الاحتجاز إلى أجل غير مسمى" عبر قانون المقاتل غير الشرعي، وإعادة تفعيل مشاريع تشريعية متطرفة، أبرزها قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذي صادقت عليه لجنة الأمن القومي في سبتمبر 2025 تمهيدا لطرحه للتصويت العام في الكنيست.

ويمثل هذا المشروع امتدادا لتوجه سياسي متجذر في الفكر الصهيوني المتطرف يتزعمه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي جعل من استهداف الأسرى أداة لترسيخ عقيدته العنصرية تحت شعار "الأمن الإسرائيلي".

القانون المقترح  يلغي شرط الإجماع القضائي ويجيز إصدار حكم الإعدام بالأغلبية، ما يشكل سابقة قانونية خطيرة تمهد لتحويل القضاء الإسرائيلي إلى محكمة إعدام جماعي بحق الفلسطينيين.

ونص القانون على أن " من يتسبب بموت إسرائيلي بدافع قومي أو كراهية يعاقب بالإعدام" ، وهو نص صُمم سياسيا لاستثناء المستوطنين والجنود من المساءلة وحصر العقوبة بالفلسطينيين وحدهم.

قوانين استثنائية ومحاكم سياسية

في السياق ذاته، أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع "قانون قوات النخبة"، الذي ينص على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الفلسطينيين الذين شاركوا في أحداث 7 أكتوبر، في ما يشبه محاكم عسكرية استثنائية تدمج بين القضاء والسياسة وتجرد المعتقلين من صفة أسرى الحرب.

ويهدف هذا القانون إلى إعادة صياغة الرواية الإسرائيلية، بتصوير الفلسطينيين كـ"نازيين جدد"، وتبرير العقوبات المفرطة والإعدامات السياسية تحت مظلة قانون "منع الإبادة الجماعية لعام 1950" في محاولة لتحويل الضحية إلى الجاني.

بيئة حرب داخل السجون

إلى جانب القوانين المتطرفة، أعادت الحكومة الإسرائيلية تفعيل سياسات الاكتظاظ والحرمان الغذائي، حيث أعلن بن غفير صراحةً أن "الأسرى لن يحصلوا إلا على الحد الأدنى من الشروط التي يفرضها القانون"، في حين كشفت أحكام صادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية أن آلاف الأسرى يحرمون عمدا من كميات الطعام الكافية للبقاء على قيد الحياة، في انتهاك صارخ للمادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة.

ومع تمديد حالة الطوارئ حتى نهاية عام 2025، أصبح القانون الإسرائيلي يسمح بتجاوز السلطة القضائية العادية ومنح الحكومة صلاحيات استثنائية تتعلق بالاعتقال والاحتجاز وتقييد الزيارات وحرمان الأسرى من الرعاية الطبية والحقوق الأساسية.

هذه الإجراءات حولت السجون الإسرائيلية إلى بيئة حرب مغلقة تمارس فيها عمليات انتقام منظم وتعذيب مبرمج وإخفاء قسري طال المئات من أسرى غزة الذين اعتقلوا بعد 7 أكتوبر ولا يعرف مصيرهم حتى اليوم.

دعوة إلى لجنة تحقيق دولية

إن تزايد هذه الشواهد الميدانية، والتشريعات العنصرية، والتصريحات التحريضية الرسمية، تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهج سياسة قتل ممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين تتجاوز حدود القانون والأخلاق والإنسانية.

مكتب إعلام الأسرى يؤكد أن ما يجري داخل السجون الإسرائيلية يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان، ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الأسرى الأحياء والشهداء المحتجزة جثامينهم، محملا المجتمع الدولي مسؤولية الصمت الذي يشجع إسرائيل على المضي في سياستها القائمة على القتل والإفلات من العقاب.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020