تتلعثم الكلمات وترجف الأيدي حين تنقل رسائل من داخل مقابر الأحياء، هناك في زنازين القهر والظلم التي تحوي بداخلها موتاً بانتظار أسرى يحلمون بالعودة إلى أهاليهم وأطفالهم وأمهاتهم.. موتاً تفرضه سلطة احتلال جائر قررت إعدام الأسرى ولكن بطريقة أخرى.
ومن بين القصص المحزنة التي تقشعر لها الأبدان ما حدث مع الأسير الشاب مصطفى دراغمة الذي لم يتجاوز ٢٢ عاما من عمره، جسد غض يشكو المرض والسجن في عمر لا يحتمل كل ذلك!
ويقول والده لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال داهمت منزله في مدينة طوباس شمال الضفة المحتلة في السابع عشر من شباط/ فبراير عام ٢٠١٨، وبعد الانتهاء من التفتيش قاموا باعتقال نجله الوحيد مصطفى ولكنه أبلغهم بأنه مريض بالسكري ولا يحتمل الاعتقال، فرفض الجنود إلا اعتقاله ونقله إلى جهة مجهولة.
الوالد القلق على ابنه حاول إقناع الجنود بأن نجله مريض فعلا؛ فجلب جهاز فحص مرض السكري ليظهر معدل ٤٥٠ وهو الرقم المرتفع جدا بالنسبة لأي مريض، ورغم ذلك لم يكترث الجنود بل واصلوا عملية اعتقاله وانتزعوه من بين عائلته.
ويوضح الوالد بأن حالة نجله بدأت بالتدحرج داخل الأسر حتى وصل معدل السكري في دمه إلى ٩٥٠ ما أدى إلى حدوث فشل كلوي حاد أدى إلى فشل إحدى الكليتين بشكل كامل بينما تعمل الأخرى بنسبة ٢٠٪.
وحتى حين شعر بالمرض الشديد لم تكترث مصلحة السجون لذلك حتى بدأ باستفراغ الطعام في داخل القسم وساءت حالته الصحية، فتم نقله إلى مستشفى "أساف هروفيه" في الداخل المحتل وقالوا إنه لا يعاني من شيء وأعادوه إلى السجن ليفقد وعيه هناك.
ويضيف الوالد:" تبين في المستشفى بأن فحص الكلى سيء جدا وأن حالته ساءت نتيجة عدم الاهتمام المتعمد بحالته الصحية، حيث تبين أن الفشل الكلوي نسبته ١١-١٢ بينما الطبيعي أن يكون ١.٢ ونسبة السكري وصلت إلى ٩٥٠ وهو الرقم الأعلى والذي ينبئ بخطورة حقيقية على حياته.
وما زال الأسير دراغمة موقوفا بانتظار المحاكمة التي يتم تأجيلها دوما؛ بينما يتعمد الاحتلال وضع تاريخ المحكمة مع تاريخ الزيارة فيتشتت الأهل ولا يعرفون ماذا يختارون؛ فإذا اختاروا الزيارة وجدوا نجلهم منقولا إلى المحكمة، وإذا اختاروا المحكمة عوقبوا بمنع الزيارة لمرتين قادمتين!
رسالة قاتلة
وبقي الأسير ٤٥ يوما على هذا الحال، يتواجد في مقبرة سجن الرملة ويقوم بغسل الكلى يوميا هناك في عيادة غير مؤهلة لذلك، بينما حرمت عائلته من الزيارة في الشهر الماضي وهو الوقت الذي كان فيه بأمس الحاجة إلى أهله.
ويخمن الوالد بأن الاحتلال قطع عن نجله جرعات الأنسولين اللازمة له والتي كان يتناولها ثلاث مرات يوميا بسبب معاناته من مرض السكري مذ كان طفلا في الرابعة من عمره، وذلك بالطبع لم يشفع له أمام هذا الاحتلال.
وبكلمات ضعيفة وصوت حزين قرأ الوالد رسالة كان أرسلها نجله مع أحد المحامين قال فيها "والدي العزيز.. أرجو العودة إلى بيتي وإلى أهلي حيّاً".. ثم انقطع صوت الوالد خلف جدار من الدموع التي أبكت كل من حوله.
ويختتم قائلا:" كلما قرأت الرسالة أبدأ بالبكاء وأستذكر حالته الصحية والإهمال الطبي المتعمد بحقه فأشعر بالحزن العميق وأفقد القدرة على الحديث.. نريد ابننا حيا بيننا وهذه رسالتنا الوحيدة وفقط".