في بلدة بني نعيم إلى الشرق من مدينة الخليل، تعيش عائلة محمد علي سالم زيدات (49 عامًا) معاناة لا يعلم بها أحد.
عائلة قدّمت، ولا تزال، تضحياتٍ لا متناهية من أجل شعبها وكرامته، وتفقد اليوم خمسة من أفرادها داخل سجون الاحتلال، في ظلّ غياب زيارات المحامين وانقطاع أخبارهم، كأحد أساليب العقاب والانتقام الجماعي من العائلة.
اليوم تعيش نساء العائلة في ظل غياب السند وحدهنّ، يكافحن لمعرفة أخبار أزواجهنّ وأبنائهنّ في سجن نفحة، ويتابعن حضور المحاكم بشكلٍ دوري في سجن عوفر، ويتحمّلن مسؤولياتٍ جسيمة فُرضت عليهنّ قسرًا.
كانت عائلة محمد زيدات تقطن في بيتٍ حجري دافئ، جدرانه مشبعة بذكرياتهم ومناسباتهم السعيدة والحزينة، لكنّ معطيات الحياة تغيّرت كليًا بالنسبة لهم.
فاليوم تعيش العائلة في بيتٍ مستأجر، تكافح للحياة وللبحث عن أخبار أبنائها وأزواجها عبر المحامين أو من خلال الأسرى المحرّرين. وما بين سجنَي نفحة وعوفر تمتدّ حكاياتٌ من الألم لم تنتهِ بعد.
زوجة الأسير المؤبد أحمد محمد زيدات (26 عامًا) تجاهد الحياة كل يوم على أمل حريةٍ قريبةٍ لزوجها، وتترقب اللحظة التي سيعود فيها ليحتضن ابنته سناء ذات الأربع سنوات، ويعوّضها عن الغياب القسري الطويل.
وفي الوقت ذاته تعاني من انقطاع أخباره تمامًا؛ إذ لم تصلها سوى زيارةٍ واحدة من محامٍ أبلغهم بأن حالته الصحية جيدة، وأن الأوضاع في سجن نفحة صعبة للغاية، والطعام الذي تقدمه إدارة السجون سيئ جدًا، ومنذ تلك الزيارة انقطعت أخباره كليًا.
يعاني الأسرى في سجن نفحة من صعوبة زيارات المحامين، وتعتمد غالبية العائلات على الأخبار التي ينقلها الأسرى المحررون من هناك.
وكغيرها من عائلات الأسرى، تعيش عائلة زيدات على أملٍ يتجدد بأخبارٍ قليلة عن ابنهم، ذلك الابن الذي لم يكن وجعهم الوحيد.
فقد عانت العائلة خلال عامَي 2024 و2025 من فترةٍ عصيبةٍ شهدت انتهاكاتٍ متكررة بحق الأسير أحمد زيدات، وبحق العائلة ككل، بل وحتى بحق حجارة المنزل نفسه.
فبتاريخ 15/1/2024، اتهم الاحتلال الأسير أحمد زيدات وعمه محمود علي زيدات (46 عامًا) بتنفيذ عملية ضد أهدافٍ إسرائيلية في الداخل المحتل، لتبدأ على إثر ذلك سلسلة من الانتهاكات الممنهجة بحق العائلتين، في إطار سياسة العقاب الجماعي.
وتؤكد زوجة الأسير أحمد زيدات، في حديثها لمكتب إعلام الأسرى، أن العائلة اليوم تعيش في بيتٍ مستأجر بعد أن هدم الاحتلال منزلهم بتاريخ 17/4/2024، حين اقتحم بلدة بني نعيم ودمّر منزل العائلة المكوّن من طابقين كانت تسكنه زوجة أحمد وابنته سناء.
وفي الوقت ذاته فجّر الاحتلال منزل عمه محمود زيدات، الذي كانت تقطنه زوجته وأبناؤه، تاركًا العائلتين بلا مأوى، في مشهدٍ يجسد أسلوب الانتقام الذي ينتهجه الاحتلال ضد عائلات الأسرى.
ولم يتوقف الألم عند هذا الحد؛ فبتاريخ 6/2/2024، اعتقل الاحتلال الأب محمد علي سالم زيدات (49 عامًا) وابنه الآخر طارق محمد زيدات (23 عامًا).
ومنذ ذلك الوقت تعيش العائلة بلا سند، بينما يقبع الأب والابن في سجن عوفر، حيث يؤكد المحامي للعائلة أن سنواتٍ من الاعتقال تنتظرهم، وأن محاكماتهم تتكرر كل ثلاثة أشهر دون صدور حكمٍ فعلي حتى الآن.
وتدرك العائلة جيدًا أن أوضاع الأسرى في عوفر لا تقلّ قسوة عن غيره من السجون، إذ تسود فيه سياسات التنكيل والتجويع والإهمال.
وفي 8/4/2025، أصدرت محكمة اللد العسكرية حكمًا بالسجن المؤبد و60 عامًا إضافية بحق الأسير أحمد زيدات، وبالحكم ذاته على عمه محمود، إلى جانب غرامةٍ مالية باهظة بلغت مليوني شيكل، بعد اتهامهما بتنفيذ العملية ذاتها.
أما عمّه الثالث سالم علي زيدات (43 عامًا)، فيعاني من أوضاعٍ صحية صعبة للغاية، ولا تعرف عائلته عنه شيئًا يُذكر.
اعتُقل قبل الحرب بعامٍ واحد، ولم يصدر بحقه حكم نهائي رغم طول فترة محاكمته، ويؤكد محاميه للعائلة أن حكمًا قاسيًا ينتظره أيضًا.
اليوم، وبعد سلسلةٍ من الملاحقات والهدم والاعتقالات، تعيش عائلة الأسير أحمد زيدات بين الوجع والأمل، أملٍ بالحرية له ولوالده وابنه طارق ولأعمامه سالم ومحمود.
تصفه زوجته بأنه إنسانٌ محبٌّ للحياة، قضى وقته في حفظ القرآن، وكان السند الحقيقي لعائلته.
توقّفت حياتها منذ اعتقاله، وهي اليوم تعيش مع ابنتها سناء ووالدة زوجها على شطرٍ من الصبر والمكابدة، تحاول تعويض ابنتها عن الدفء الأبوي الذي فقدته، وتحافظ على صورة والدها حيّةً في ذاكرتها، في وقتٍ تُحرم فيه عائلات الأسرى من أبسط حقوقها في الزيارة واللقاء.