على طرف شرفة منزلها اتخذت كرسياً خشبياً؛ تجلس متأملة منازل مخيم الأمعري في مدينة رام الله والتي تآكلها الدهر، لا تدري كيف توزع أحلامها هل كلاجئة بالعودة إلى أرضها الأصلية المحتلة أم كأم لستة أسرى بالإفراج عنهم في صفقة مشرفة أم كوالدة لشهيد بالرحمة والقبول والالتقاء به في الجنان.
لم تعد الحاجة "أم يوسف أبو حميد" حالة عادية في الشارع الفلسطيني فهي وعائلتها جمعت بين كل هموم القضية الفلسطينية؛ الشهادة والاعتقال واللجوء وإخطار الهدم والملاحقة والاقتحام المستمر، وعلى رأس ذلك كله المقاومة التي لا تنتزع من قلب أي فلسطيني مهما حاول المحتل وأعوانه.
تقول الحاجة الستينية لـ مكتب إعلام الأسرى إنها لم تتفاجأ باعتقال نجلها إسلام مؤخرا والذي يتهمه الاحتلال بقتل جندي صهيوني من وحدة "الدوفدوفان" الخاصة خلال اقتحامها مخيم الأمعري، إسلام لم يفعل شيئا سوى أنه لم يحتمل منظر الجنود وهم يتسللون بين أزقة مخيمه الذي حاولوا وضعه بديلا له عن وطنه، فألقى بحجر رخامي كبير على رأسه ليرديه قتيلاً مضرجا بدمائه.
بعد محاولات عدة لمعرفة المقاوم الذي نفذ هذا العمل؛ اعتقل الاحتلال الشاب إسلام أبو حميد (32 عاما) وأصدر بيانا رسمياً يتهمه بالمسؤولية الرسمية والمباشرة عن مقتل الجندي، وحين انتشر الخبر على الملأ لم يستغرب الشارع الفلسطيني هذا العمل الجريء من عائلة قدمت وتقدم الكثير.
وتوضح أم يوسف بأن الأسابيع الرمضانية تلك مرت على العائلة ثقيلة موجعة بسبب اقتحامات الاحتلال المتكررة، حيث قام الجنود باقتحام المنزل أكثر من خمس مرات وفي كل مرة يطلقون قنابل الغاز والصوت داخله ويعتدون عليها وعلى أبنائها وأحفادها ويعيثون فسادا، ما استدعى نقلها إلى المستشفى عدة مرات.
مسلسل الاعتقال ليس جديدا في حياة أم يوسف، فهي قدمت أربعة أسرى من أصحاب المحكوميات العالية، ناصر المحكوم بالسجن المؤبد سبع مرات وخمسين عاما ونصر المحكوم بالسجن المؤبد خمس مرات وشريف المحكوم بالسجن المؤبد أربع مرات ومحمد المحكوم بالسجن المؤبد مرتين وثلاثين عاما، وجميعهم اعتقلوا في بداية انتفاضة الأقصى الثانية، بينما نجلها جهاد اعتقل قبل أكثر من عام وما زال موقوفا.
وتقول:" كنت في زيارة أمس لأبنائي الأربعة في سجن عسقلان وكما في كل مرة يمدونني بالمعنويات والثقة الكبيرة، ولكن إسلام لم أتمكن من رؤيته حتى الآن حيث ما زال يقبع في سجن المسكوبية بعد إنهاء التحقيق معه".
أما الشهيد القسامي عبد المنعم نجلها الآخر فهو من افتتح سجل المجد المشرّف حين قام بعملية قتل لأحد ضباط جهاز الأمن الداخلي الصهيوني عام 1994 واستشهد على إثرها، لتبدأ العائلة منذ ذلك الحين حياتها المقاوِمة.
ومنذ أن وجه الاحتلال تهمته للأسير إسلام أبو حميد بقتل الجندي تعيش العائلة كابوس احتمالية هدم منزلها كما يفعل دائما مع منازل الفدائيين، حيث قام الجنود بإحداث ثقوب في الجدران وأخذ قياسات لإتمام عملية الهدم.
ولكن الروح العالية هي الرصيد المتبقي لهذه العائلة التي امتهنت الكرامة وتعلّم كل من فقد كرامته كيف تكون التضحية والفداء لأجل وطن مسلوب، بينما ترفع الأم الصابرة دعواتها لخالقها بأن تحقق المقاومة نصرا آخر في صفقة مشرفة كما وفاء الأحرار.