تميز الإنسان منذ فجر الخليقة على غيره من المخلوقات، حيث تميز بالعقل والقدرة الفائقة على تطوير أساليب التعامل مع ما يَستخلِص من الحوادث والنوادر حتى وصلنا إلى هذه الخبرة التراكمية المَهُولة التي تكاد تفوق نفسها في أي عقد سابق، من هنا يمكن الحديث عن الفكرة وأتِّباعُها من باب أننا جزء من الخبرة البشرية التراكمية، فإن الذين ينساقون في ركب أي فكرة كجند ويستمرون كذلك فإنهم لا يرسون كما كانوا لحظة الاضطهاد في بوتقة الفكرة مندفعين دون تروٍ أو محاولة فهمٍ لما يحدث، وتكون ردود أفعالهم باقية كما كانت، إذا كانت مبنية على الحل بالقوة، فإنها ستبقى كذلك إلى أن يَقضي الجند أو تذوب الفكرة، ثم إن هناك من يمزجون بين تطور علمهم وأصالة فكرتهم، ولكن ذلك لا ينال ردود أفعالهم فتبقى على بدائيتها وعنفوانها الأول المخلوط بكثير من التعجل والاستعجال.
غالبا ما نجد في أدبية كل فكرة تفريقاً غليظاً وتحديداً في البدايات لأولئك الذين يطلبون التغيير الجارف بقوة الساعد قبل أن تختمر الفكرةَ ويكون لها من يحميها من أتباع يحملونها وينظرون لها غالبا ما يكونوا هؤلاء المتعجلون هم سبب الاصطدام الأول العنيف مع الفكرة المضادة ، فكم قضى من رجال لا يُشقُّ لهم غبار نتيجة متعجِّل يرى أن فكرته قوته يجب أن يكون لقياس الانتماء للفكرة، وكذلك يجب أن تكون المواجهة هي عقيدة الفكرة ومحورها.
لقد آن الأوان أن يهُبَّ أتباع أي فكرة هبَّة واحدة قاطعة حاسمة تجدد فكر العقول واضمحلال الأدمغة، وتُطرح بعيدا عن ثورات الدماء اللحظية التي تهدر طاقات الفكرة ومقدراتها، فيكفي أن يغضب عاطفي لمدة دقيقة كي ترتهن بعد ذلك الفكرة شهرا أو شهرين لإصلاح خلل أخذته تلك النظرة الضعيفة المتوحشة، في كتابه المهم (معالم في الطريق لتحرير فلسطين) أكدَّ الشهيد إبراهيم المقادمة لنا كشعب فلسطين في كل حالاتنا وثوراتنا منذ عقود القرن المنصرم الأول، تكون في مقام ردود الفعل وأنها محاولة و مبادرة الفعل الأولى، وأنها هنا متعجلة بطلقة واحدة، وتأكيداً على ما قاله فإننا إلى الآن فإننا كشعب محتل نعيش على ردَّات الفعل سياسية وعسكرية ومواقفا، وهذا لأننا نستشعر شعور الضحية المظلومة التي تريد انتزاع حقوقها من خلال عنف الكلمات لا الأفعال وهكذا دواليك.
لقد آن الأوان أن نستغل هذه الطاقات المهدورة في استعراضات الواقف لِنُنشئ مواقف صلبة هي بالأساس مدروسة الكم والكيف مرسومة الخطى، حتى ندخل زمن التمكين الفعلي عِوضاً عن زمن التمكين الخيالي، إن من كان قدره أن يكون تابعا للفكرة لا أن يملك تأثيرا مُغيِّرا أو منتجا فله الاحترام والتقدير، ولكن ليس له أن يتصدر و يعالج مواقف المواجهة لأن ليس له أن يكون أكثر مما يستحق، لذلك آن الأوان إطراء عاطفة رد الفعل وتظل فتح الأبواب لزمن يكون فيه كل شيء مدروس ودقيق وصاحب القول الفصل.