بينما تلتهبُ الكرةُ الأرضيةُ بغضبِ المناخِ الذي كساها حرّاً لم تشهدْه من قبل، يبحثُ البشرُ عن حلولٍ لمعالجةِ الحرّ، وما سبّبَه من حرائقَ وكوارث، أو على الأقلِ للتعايشِ معه عبرَ التبريدِ، ووسائلِ التلطفِ والتخفيف، غيرَ أنَّ هذه الفرصَ غيرُ متاحةٍ لأكثرَ من خمسةِ آلافِ أسيرٍ فلسطيني، موزعين على سجونٍ في الصحراءِ والمناطقِ الغورية، مضطرين لقبولِ سياطِ الحرِّ اللاهبة، فوقَ أوضاعِهم، وظروفِهم القاهرةِ أصلاً.
ليس الاكتظاظُ، وفقدانُ وسائلِ التهويةِ والتبريد، هو ما يعانيه الأسرى فقط، فالاحتلالُ يتعمّدُ التنكيلَ بالأسرى في هذه الأيامِ الاستثنائيةِ من حيثُ الحرّ، فتكثرُ "البوسطات" وهي نقلياتٌ بآلياتٍ حديديةٍ بالكاملِ إلى سجونٍ أخرى ومحاكم، في غرفِ انتظارٍ عديمةِ التهويةِ يُحشرُ فيها خمسةَ عشرَ أو عشرين أسيراً في مساحةٍ لا تتجاوزُ الخمسةَ أو الستةَ أمتارٍ مربعة، أمّا الأسرى المرضى القابعون في سجنِ الرملةِ المخصّصِ للحالاتِ المرضية، دونَ أن يمتلكَ أدنى مقوماتِ هذا التخصيص، فهم الأشدُّ معاناةً في هذه الأجواء، وكما هو معروفٌ تنتشرُ الحشراتُ الضارةُ في الأقسامِ وزنازينِ السجون، وتمتنعُ إدارةُ مصلحةِ السجونِ عن تقديمِ وسائلَ مكافحتِها، ليصبحَ فصلُ الصيفِ جحيماً بالنسبةِ للأسرى وليس مجردَ فترةٍ عابرة.
ربما ستتوحدُ إجاباتُ الأسرى عند سؤالِهم، بماذا يمكنُ مساعدتُكم؟ فيجيبون: بالتحريرِ، وما الذي سيبرّدُ هذا الحرَّ عنكم؟ سيجيبون: الحريةُ، إنّها كلماتُ السرِّ في صمودِ الذين قضوْا عشرين وثلاثين بل وأربعين عاماً وتزيد، لا تختلفُ في فلسفتِهم ضرباتُ الهراواتِ وسياطُ الحرِّ اللاهبة، طالما أنهم مضطرون للتعايشِ معها انتظاراً لبلوغِهم نهايةَ النفقِ الذي آنسوا نورَه منذُ أمد، إلى ذلك الحينِ سيبقونَ في معاناةِ الحرِّ اللاهبِ بأبوابِه الأشدِ: حرُّ القهرِ، وحرُّ الشوقِ، وحرُّ الجو.