يوثق هذا التقرير شهادة الأسير المحرر عماد نبهان من قطاع غزة، الذي أُفرج عنه ضمن صفقة "طوفان الأحرار" الثالثة بعد اعتقالٍ دام عدة أشهر عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر عام 2023. وتكشف شهادته عن ممارسات ممنهجة للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في مراكز الاعتقال الإسرائيلية، خاصة في معتقل سديه تيمان الذي أُقيم حديثا في منطقة غلاف غزة.
أولا: الخلفية
تم اعتقال الأسير عماد نبهان في ديسمبر/كانون الأول 2023، ونُقل إلى معتقل سديه تيمان حيث احتُجز لمدة 35 يوما في ظروف قاسية ثم جرى نقله بين عدة سجون إسرائيلية، منها: النقب، عوفر، الرملة، مجدو، وعدة معتقلات مؤقتة في "غلاف غزة".
يشير نبهان إلى أن الاعتقال تخللته جولات متكررة من التحقيق، واستخدام أساليب تعذيب بدنية ونفسية ممنهجة تهدف إلى انتزاع اعترافات أو تجنيد الأسرى لصالح أجهزة الاحتلال.
ثانيا : أساليب التعذيب وسوء المعاملة
1. التعذيب في "غرف الموسيقى" (غرف الديسكو)
- احتُجز نبهان لمدة تتراوح بين 10 و12 يوما في غرف مغلقة يتم فيها تشغيل موسيقى صاخبة بمستويات عالية جدا تفوق قدرة الإنسان على التحمل.
- أجبر على الجلوس على كرسي حديدي موصول بالكهرباء أثناء التحقيق، وتعرض لصدمات كهربائية متكررة أثناء طرح الأسئلة حول مواقع قادة المقاومة وخريطة الأنفاق.
- كان يحرم من الماء والطعام، وتُمارس عليه ضغوط نفسية بإغراءات تتعلق برؤية عائلته مقابل "التعاون الأمني".
2. أسلوب "التابوت الحديدي"
بعد جلسات التحقيق اليومية، كان يُنقل إلى ما يُعرف بـ"التابوت" وهو قفص حديدي ضيق يشبه التوابيت التي يدفن فيها الموتى.
يقضي فيه الليل موصولا بأنبوب صغير يُغذّى من خلاله بسائل غذائي لا يتجاوز ربع كوب بلاستيكي يوميا.
يُراقَب تنفسه ويُمنع من الحركة أو الكلام في انتهاك صارخ للمادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية.
3. التعذيب بالكهرباء
- أُدخلت أسياخ حديدية في أقدام المعتقلين موصولة بالكهرباء.
- تم استخدام هذا الأسلوب مرارا أثناء جلسات التحقيق بهدف الإكراه على الاعتراف.
- يؤكد نبهان أنه تعرّض لصدمات كهربائية متكررة أدت إلى آلام حادة وتورم في الأطراف.
4. الإهمال الطبي
خلال احتجازه في السجون الإسرائيلية لاحقا، أصيب بمرض السكابيوس (الجرب) نتيجة الاكتظاظ وغياب النظافة وسوء التهوية. لم تُقدَّم له أو لغيره من الأسرى أي رعاية طبية مما أدى إلى تفاقم الإصابات وظهور دمامل وتقرحات جلدية.
أشار إلى أن بعض الأسرى فقدوا قدرتهم على الحركة أو توفوا متأثرين بمضاعفات المرض.
ثالثا: الظروف المعيشية
أشار نبهان إلى أن إدارة السجون كانت تقدم حصصًا غذائية محدودة تهدف فقط لإبقاء الأسرى قادرين على المثول للتحقيق دون مراعاة احتياجاتهم الصحية أو الإنسانية.
كان الأسرى يجمعون وجبات اليوم الثلاث لتناولها قبل النوم في محاولة لتخفيف الجوع. كما تحدث عن غرف العصافير، وهي غرف يتواجد فيها عملاء متخفون على هيئة أسرى بهدف استدراج المعتقلين لانتزاع معلومات.
رابعا: الأثر النفسي والإنساني
- تعرض نبهان لابتزاز نفسي متكرر عبر تهديده بمصير عائلته أو فقدان والديه في الحرب إن لم "يتعاون".
- ورغم ذلك رفض الانصياع، مؤكداً أنه فضل الموت أو استشهاد عائلته على القبول بالعمالة.
- تلقى خلال فترة أسره أنباء متكررة عن استشهاد عدد من أفراد أسرته.
خامسا: التقييم القانوني
تعد الممارسات التي وثقها نبهان انتهاكا جسيما لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 التي تحظر التعذيب في جميع الظروف كما تمثل مخالفة واضحة للمادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر المعاملة القاسية والمهينة بحق الأشخاص المحميين زمن الحرب.
كما يشكل أسلوب التابوت الحديدي أحد أشكال الاختفاء القسري والتعذيب المطوّل، إذ يُحرم المعتقل من التواصل أو الحركة أو تلقي المساعدة الطبية.
سادسا: الخلاصة والتوصيات
تشكل شهادة الأسير عماد نبهان دليلًا إضافيًا على نمطٍ ممنهج من التعذيب الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأسرى الفلسطينيين خصوصا المعتقلين من قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023.
يوصي التقرير بـما يلي:
1. تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في ممارسات التعذيب داخل معتقل سديه تيمان وبقية السجون الإسرائيلية.
2. تمكين المنظمات الحقوقية واللجنة الدولية للصليب الأحمر من الوصول الفوري وغير المشروط إلى جميع مراكز الاحتجاز.
3. مساءلة المسؤولين الإسرائيليين عن استخدام أساليب التعذيب المحظورة دوليا بما في ذلك الكهرباء، الحرمان من النوم، الحبس في التوابيت والإهمال الطبي المتعمد.
4. توفير الدعم النفسي والطبي للأسير المحرر نبهان وجميع الأسرى المحررين من معتقلات الاحتلال.