الأسير معاذ بلال.. ثلاثة عقود من الأسر وحرب التجويع التي التهمت صحته
تقرير/ إعلام الأسرى

حين تنشأ في بيتٍ يعجّ بصفحات التضحية، يسير طريقك نحو غايةٍ واحدة: حرية بلادك وكرامة شعبك، وأن تكون سببًا في كليهما.

لا يفكر الشباب الفلسطيني في مستقبلٍ زاهٍ، ففكرة الاستقرار تكاد تكون معدومة في أجيالٍ وُلدت تحت القهر. وقد عرف الأسير معاذ سعيد بلال (54 عامًا)، من مدينة نابلس، هذه الحقيقة مبكرًا، فاختار طريقًا كان يعلم أن نهايته إمّا الشهادة أو الاعتقال.

واليوم، تمرّ ثلاثة عقودٍ كاملة على اعتقاله منذ الحادي عشر من كانون الثاني/يناير عام 1998، ثلاثة عقودٍ لا يدرك معناها إلا من عاشها في زنازين الاحتلال.

يواصل مكتب إعلام الأسرى عرض قصص الأسرى أصحاب الأحكام المؤبدة، للتعريف بنضالهم وأوضاعهم الصحية والاعتقالية، في ظل سياسة التجويع والتنكيل التي يمارسها الاحتلال بحقهم، في محاولة لطرق جدران الخزان وإبقاء صور تضحياتهم حيّة في ذاكرة الشعب الفلسطيني والعالم أجمع.

الأسير معاذ بلال ليس مجرد رقمٍ في قائمة المؤبدات، بل قصة إنسانٍ له أمّ تنتظره، وأشقاء، وبيتٌ يحلم أن يحتضنه من جديد.

ثلاثون عامًا مرّت، وعائلته ما زالت تنتظر أن يُطوى هذا الألم، وأن تتحول سنوات أسره إلى ذكرى وأجرٍ وصبر.

غير أنّ الاحتلال أفشل إدراج اسمه في صفقة وفاء الأحرار، ثم في صفقة طوفان الأحرار، رغم كونه أحد أبرز قادة الحركة الأسيرة الذين يرفض الاحتلال الإفراج عنهم.

تقول شقيقته لمكتب إعلام الأسرى: "كنا على أمل أن يرى حريته في الصفقة، فهو أحد أقدم الأسرى في سجون الاحتلال، ومحكومٌ بالسجن المؤبد المكرر 26 مرة، إضافة إلى 27 عامًا أخرى. كنا متأكدين من حريته، ما جعل الإحباط أكبر من أن يوصف، ولا يسعنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم."

يمضي الأسير معاذ بلال اليوم فترة اعتقاله في سجن جلبوع (جانوت)، بعد أن تنقّل بين سجونٍ عديدة.

وتؤكد عائلته أن المعلومات عنه تصل فقط عبر الأسرى المحررين، فالأخبار شحيحة، ولا زيارات للمحامين أو مؤسسات الأسرى أو حتى للصليب الأحمر، إذ يواصل الاحتلال منع الزيارات بحجة "حالة الطوارئ" التي فرضها منذ اندلاع الحرب على غزة.

يعاني الأسير معاذ من أوجاعٍ حادة في أسنانه وفقدان معظمها، ومع سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة السجون، يُمنع الأسرى حتى من تلقي علاجٍ بسيط.

ومع تفاقم حرب التجويع خلال حرب الإبادة على غزة، لم يعد قادرًا على تناول الخبز، وتتوقع عائلته أن وزنه لا يتجاوز 50 كغم.

كما يعاني من آلامٍ مزمنة في الظهر، وصداعٍ دائم، ومشاكل في المعدة، وفق ما نقلته شهادات أسرى محررين من قسمه.

الأسير معاذ بلال ينحدر من عائلة مناضلة قدّمت الكثير لفلسطين. فقد اعتقل أول مرة وهو في الصف الرابع رفقة والده، في محاولةٍ للضغط عليه للاعتراف.

وفي عام 1994 انضم إلى كتائب القسام، وكان من أبرز قادتها، واعتقل لاحقًا عدة مرات.

عام 1997 شكّل خليةً باسم "شهداء من أجل الأسرى" هدفها تحرير الأسرى، ونفّذت عملياتٍ ضد الاحتلال، كان أبرزها عملية "محانيه يهودا" في القدس، التي أسفرت عن مقتل 15 مستوطنًا وإصابة المئات، تلتها عملية "بن يهودا" بعد أيام.

وفي 11 كانون الثاني/يناير 1998، وبعد أشهر من العملية الثانية، اعتقله الاحتلال في كمينٍ قرب مخيم العروب بالخليل، وبقي في التحقيق 3 أشهر قبل أن يُحكم عليه بالسجن المؤبد 26 مرة و27 عامًا إضافية.

تعرّض جميع أشقائه الخمسة للاعتقال، وقد نال شقيقه عثمان بلال حريته ضمن الدفعة الأولى من صفقة طوفان الأحرار.

أما معاذ، فهو الوجع الأخير المؤبد في قلب عائلته، التي فقدت والده عام 2005 وهو في الأسر، ثم شقيقه بكر عام 2016 دون أن يُتاح له وداعهما.

ورغم الجراح، واصل دراسته داخل السجن، فحصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، ثم ماجستير في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس.

اليوم، يواصل الأسير معاذ بلال مواجهة المرض والجوع والبرد والإهمال، بإيمانٍ راسخ أن طريقه كان من أجل كرامة شعبه، وأن الحرية قريبة مهما طال ليل الأسر.

إنه واحد من أولئك الذين حملوا راية الأسرى فوق أعمارهم، ووقفوا شامخين في وجه الموت البطيء، ليقولوا للعالم:

"من أجل حرية الآخرين، قد نُسجن نحن.. لكننا لا ننكسر."

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020