تغيب الظروف الاعتقالية للأسرى في سجون الاحتلال تماماً عن ذويهم نتيجة انقطاع الزيارات وانعدام سبل التواصل فيما بينهم، وبخاصة الأسرى الموقوفين الذين لم تُصدر بحقهم أحكام نهائية بعد. وتتعرف عائلاتهم إلى أخبارهم فقط خلال خمس دقائق أو أقل عبر متابعة المحامي لملفاتهم الاعتقالية، وهي مدة لا تتيح للعائلة معرفة ما آل إليه حال أسيرها وما تركه الاعتقال من ندوب في جسده وروحه.
في غالبية الاعتقالات تبدأ سلسلة التنكيل منذ لحظة صعود الأسير إلى الجيبات العسكرية، حيث تُشنّ عليه معركة ضرب غير متكافئة: أسيرٌ مكبّل اليدين معصوب العينين، في مواجهة جنديٍّ مدججٍ بالسلاح والحقد. ثم يكتمل خط الاعتقال وصولاً إلى أقبية التحقيق، حيث نوع آخر من الآلام لا يعرف حقيقته إلا من ذاقه، إلى أن يُزَجّ الأسير في سجنه وتبدأ جولات المحاكمات التي لا تُستثنى من الضرب والقمع والتهديد حتى حدّ الموت.
الأسير عزمي نادر عزمي أبو هليل (30 عاماً) من بلدة دورا قضاء الخليل، شاب ذو خلفية تعليمية يُرفع لها القبّعات. إنسان شقّ طريقه نحو العلم، فنال درجة البكالوريوس، ثم الماجستير في الاستشارات القانونية خلال دراسته في المغرب، وكان بصدد استكمال دراسة الدكتوراه. لكن الاعتقال باغته عبر وحدات خاصة واقتحام، ومحاكم لا تعرف العائلة سقفها الزمني بعد. وفي غضون عشرة شهور فقط من اعتقاله أصبح وزن الأسير عزمي أبو هليل لا يتجاوز 38 كغم.
اليوم، وفي ظل المجاعة التي تحاصر السجون والأيام، يلجأ الأسرى إلى تجميع حصص الطعام ـ التي لا ترقى حتى لأن تسمى وجبات ـ ليجعلوها وجبة واحدة عند أذان المغرب، يتناولونها على نية الصيام والصبر والبطولة. وبشكل من أشكال المقاومة تستمر الحياة، غير أن الأوزان التي يظهر عليها الأسرى المحررون تنبئ بأن الأوضاع تسير نحو تعريض حياتهم إلى الموت البطيء.
تحدث مكتب إعلام الأسرى مع والد الأسير عزمي أبو هليل حول ملفه الصحي والمناشدة التي أطلقتها العائلة للكشف عن مصيره والمطالبة بالتدخل العاجل لعلاجه. يقول والده: "عزمي يعاني من أمراض في الرئتين بسبب أزمة تنفسية، وهذه الأزمة أدت إلى مشاكل في القلب. وحين جرى اعتقاله انقطع عن تناول دوائه. وحتى عبر الأسرى المحررين الذين نقلوا لنا أخباره، أُبلغنا بأن وضعه الصحي سيئ للغاية".
رغم أمراضه لم تسمح له الوحدات الخاصة عند اعتقاله أن يأخذ دواءه. حالته تستلزم أبخرة تساعده على تنظيم عملية التنفس ومنع حدوث الأزمات، كما يحتاج إلى أدوية لتنظيم عمل القلب، وأخرى لعلاج الأكزيما التي يعاني منها. وتتفاقم هذه الأمراض في ظروف السجون الاعتقالية حيث لا هواء ولا شمس ولا بيئة معيشية صحية. ويضيف والده: "الأسرى المحررون من قسمه أخبرونا أن حبة الأكامول نفسها لا تُقدَّم لهم كعلاج، فكيف بالأدوية الأخرى".
وعلاوة على ذلك لم يرحمه السجّان؛ فحين طالب بعلاج أمراضه أقدم على خطوة احتجاجية ورفض دخول الغرفة، فقابلته إدارة السجن بالقمع والضرب، حيث أطلقوا عليه رصاصاً مطاطياً أصابه في منطقة الفخذ، ثم انهالوا عليه ضرباً حتى فقد وعيه.
ترفض إدارة السجون تقديم علاج للأسير عزمي أبو هليل، فيما تناشد عائلته كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية، والجهات المعنية بقضايا الأسرى والشعب الفلسطيني، للوقوف إلى جانبهم والضغط من أجل تقديم علاج عاجل لإنقاذ حياته قبل فوات الأوان.