من الزنزانة إلى القبر : الإهمال الطبي يطارد الأسرى بعد تحررهم، معتصم رداد آخرهم
تقرير/ إعلام الأسرى

حين تفتح الزنازين أبوابها، لا تعني الحرية دائما بداية جديدة، أحيانا تكون بداية موت مؤجل يحمل في طياته وجع السنين، وأثر القيد في خلايا الجسد وروح الإنسان.

خرج معتصم رداد من السجن لكنه لم يخرج من أثره، جسده المثقل بالوجع كان يشهد أن في الأسر وجعا لا ينتهي عند البوابة.

معتصم ذاك الشاب الذي اعتقله الاحتلال وهو في ريعان العمر لم يكن سجينا فقط، هو ضحية لنظام متكامل من الإهمال الطبي الممنهج. صرخاته الصامتة داخل عيادة سجن الرملة، طلباته المتكررة للحصول على العلاج، محاولات عائلته واستغاثات محاميه، كلها كانت تقابل بجدار صلب من التجاهل، كأن الاحتلال قرر أن يُمعن في قتله ببطء.

سنوات وهو يصارع المرض بلا دواء يتآكل من الداخل بينما يمنع عنه أبسط حقوق الإنسان الرعاية الصحية.  

وبعد أن قرر الجلاد أن يرحمه بإطلاق سراحه كان السرطان قد بلغ مبلغه، ولم يبقَ من معتصم إلا ظل منهك وقلب ينتظر النهاية.

استشهد معتصم رداد  لكنه لم يمت وحده، ماتت معه أحلام كثيرة لأسرى محررين عادوا من السجن بأجساد مريضة، قلوب ضعيفة، وأرواح أنهكتها المعاناة.  

منهم من يقاتل في صمت، ومنهم من رحل دون أن يسمع به أحد. إنهم شهداء ما بعد السجن أولئك الذين يعيشون بيننا بأعمار مؤقتة، وأجساد خذلتها الرعاية.

لا يمكن النظر إلى ما يحدث على أنه إهمال عرضي لأنه سياسة ممنهجة تتبعها إدارة سجون الاحتلال تجعل من المرض أداة تعذيب مستمرة، وسلاحا لا يقل فتكا عن الرصاص. كل تأخير في العلاج، كل تشخيص متعمد بالخطأ، كل حبة دواء لم تُعطَ في وقتها هو قرار إعدام بطيء.

لقد آن الأوان أن نتوقف عن عد ضحايانا بالأرقام، وأن نمنحهم وجوها وقصصا وصرخات.

أن نحمل هذا العالم مسؤوليته تجاه ما يجري خلف القضبان وبعدها.

فمعتصم لم يكن رقما كان إنسانا وكان وجعا، وكان أملاً أُغتيل بصمت.

الأسير المحرر لا يحتاج فقط إلى حريته  بل إلى فرصة حقيقية للحياة بعدها.

ومعتصم الذي لم يكتب له أن يعيش تلك الفرصة يترك فينا سؤالا مؤلما : كم من أصدقائه اليوم يحمل ذات المرض في دمه دون أن نعرف؟!!

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020