تبدأ "جوان" يومها عادةً بالجلوس بجانب والدها والحديث معه، رغم صغر سنها إلا أنها تعلم تماما كيف تجذبه إليها ولأحاديثها الصغيرة عن صديقاتها ومعلماتها وما حدث في يومها السابق.
هذه الأجواء العائلية بامتياز يعلم الاحتلال تماما كيف يفسدها، فينتزع الأب من حياة أبنائه والابن من حضن والديه ويلقي بهم في دوامة الاعتقال الإداري المقيت الذي ما إن ينتهي حتى يبدأ من جديد.
كانت "جوان" صغيرة في السن حين خاض والدها الأسير كايد الفسفوس إضرابه السابق عن الطعام رفضا للاعتقال الإداري، كانت ترى المتضامنين يتوافدون إلى منزلها وتشاهد دموع والدتها دون أن تفهم أن والدها قد لا يعود من بين أنياب الظلم.
131يوما خاضها الفسفوس في إضراب مفتوح عن الطعام انتزع بعده قرارا بإنهاء اعتقاله الإداري في نهاية عام 2021 والذي استمر عاما ونصف، دفع من صحته الكثير ولكنه علم أن هذا السلاح هو الوحيد الذي من الممكن أن يناطح مخرز السجان الحاقد.
رحلة تعافٍ طويلة لعدة أشهر ألزمت كايد المنزل حتى يعود لصحته ما قبل الإضراب والاعتقال، ولكنه استغلها بالتعرف أكثر إلى طفلته الوحيدة التي حرمه الاحتلال منها طيلة فترة اعتقاله.
تقول عائلته إن وجود جوان هو أكثر ما شجع والدها على خوض إضراب عن الطعام، فبعد تحويله للاعتقال الإداري دون تهمة ولا محاكمة قرر الانتفاض على السجان الذي جدد له الإداري عدة مرات بحجة وجود "ملف سري".
الملف السري هو مقبرة الأسير الإداري، ففيه مواد يزعم الاحتلال أنها خطيرة على أمنه، وحين يحاول محامي الأسير الاطلاع عليها يتم منعه من ذلك والتذرع بأنها أمنية سرية لا تحتمل الاطلاع، ليبدأ بعدها العرف الأسود في التجديد الإداري بلا هوادة.
في عام 2019 خاض الفسفوس إضرابا مماثلا رفضا لاعتقاله، وتم الإفراج عنه ليعتقل بعد أقل من عام، وهو ما حدث معه في الاعتقال الأخير حين أفرج عنه واعتقل مجددا، وهذا ديدن الاحتلال في محاولة تغييب كل الأسرى المحررين والناشطين والفاعلين والمؤثرين.
تتوجه جوان اليوم إلى مدرستها دون أن تحظى بجلسة الصباح مع والدها المغيب في سجون الظلم، ومؤخرا حملت صورته وهو يقاتل سجانه بجوعه ووقفت في ساحة المدرسة مع صديقاتها تهتف له ولحريته، بينما كان من المفترض في عمرها هذا أن لا تفكر إلا باللعب والضحك والفراشات الملونة!
تعود الطفلة البريئة لمدرستها كل يوم وهي لا تكاد تكتب كلمة إلا وتفكر في والدها المقاتل بأمعائه الفارغة كي يعود لها ولبيته ولعائلته التي تنتظره كل لحظة.
ما زال كايد طريح فراشه في غرفة سجنه يحارب دولة بأكملها طمعا في العودة إلى حياته ما قبل الاعتقال، يعلم جيدا أن جوان تبكي كل يوم على فراقه والآلام التي تعصف به، ولكنه يعلم كذلك أن إضرابه هو أقصر طريق للحرية.