بمناسبة رحيل الحاجة عائشة ام صدقي رحمها الله إلى الرفيق الأعلى نستذكر ابنيها الشهيدين لطفي ومحمد الحويطي
بقلم الشيخ/ جمال أبو الهيجا...

والشهداء لهم أجرهم ونورهم، تغيب أجساد الشهداء، وتبقى ذكراهم، ومواقفهم الملهمة للأجيال من بعدهم، فرغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على مصير الشهيد لطفي الحويطي تركمان، إلا أن روحه اللطيفة، وبسمته البريئة الطيبة، وكلماته العذبة، ومواقفه، وعطاءه لدعوته وإخوانه وشعبه لا زال حيّاً في نفسي وقلبي ووجداني...

كانت ساعاته الأخيرة في هذه الدنيا في مسجد الشهيد الحبيب الشيخ عبد الله عزام، في مخيم جنين، فقد كانت له مساهماته في بناء المسجد...

صلينا العصر جماعة رغم فرض الاحتلال منع التجول، وأردت الذهاب إلى زيارة إحدى أخواتي، فأبى الحبيب لطفي إلا أن يرافقني رغم إلحاحي عليه أن لا يرافقني بسبب منع التجول، لكنه بقي معي حتى اقتربت من البيت، وظل يرقبني مبتسماً كأنها والله ابتسامة مودع...

لم تمر ساعتين، فإذا بالاحتلال يقتحم المنطقة، التي يسكنها لتتم تصفية الشهيد الحبيب لطفي أمام والدته، التي وقع في حضنها شهيداً، إثر ذلك زادت حالة من الغليان، والتصعيد على المحتل المجرم فخرج المجاهدون، والمتظاهرون في مظاهرة كانت الأشرف والأشد، ولم يكتفِ أحباء الشهيد بذلك، فما كان من المجاهد الأسير المحرر القسامي عبد الرؤف الشلبي الذي تأثر باستشهاده كثيراً إلا أن اقتحم خلال يومين بعد استشهاده، اقتحم أحد المستوطنات، وقتل مستوطناً صهيونياً ثأراً للشهيد لطفي.

رحم الله والدة الشهيد، تلك الأم الصابرة، التي قدمت شهيداً آخر من أبنائها في معركة مخيم جنين عام ٢٠٠٢، وهو الشهيد البطل، محمد الحويطي، والذي لم يتم العثور على جثمانه حتى اليوم، هو والشهيد المجاهد محمد أبو حلوة، فيبدو أن المحتل دفعه لسرقة الجثامين أو إخفاء آثارهم.

الشهيد محمد الحويطي كان ناشطاً ومقاوماً عنيداً، لقي الله شهيداً؛ ليكون إلى جانب شقيقه لطفي، واليوم تنتقل والدة الشهداء إلى رحمة الله، وهي صابرة محتسبة لتجتمع بالشهداء في عليين بإذن الله، فقد ربّت وأحسنت التربية وكانت مثالاً للصبر والعطاء مثل خنساوات فلسطين اللواتي صرن أسوة بكل نساء المسلمين في كل زمان.

لقد نشأ الشهيد لطفي متأثراً بتربية والديه، ليكبر في أحضان مسجد جنين الكبير ومسجد الشهيد عبد الله عزام، ثم التحق بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وكان مثالاً للشاب الخلوق، دائم الابتسامة شجاعاً مقداماً في مواجهة الاحتلال، وكان من أهم عناصر التوافق الوطني في المخيم لتقريب المسافات، وإبعاد الخلافات، وحل الخصومات، إضافة لكونه الرياضي البارع، والمدرب لكرة القدم لفريق إسلامي المخيم (فريق المسجد) إضافة لنادي شباب مخيم جنين، ولا ابالغ إن قلت إنه كان أفضل لاعب في المنطقة، في كرة القدم، وحصل على لقب اللاعب المثالي على مستوى الضفة، وبفضله حاز نادي مخيم جنين، وكذلك فريق مسجد المخيم على الكثير من الجوائز.

رحم الله الحبيب لطفي الذي إن ذكرته ذكرت الشاب الذي نشأ في طاعة الله، ذكرت الشاب الشجاع المقدام، ذكرت الشاب الصادق الأمين، الشاب المؤمن، القوي، المخلص، الذي كرس وقته، وجهده، وما ملك لدينه، ووطنه، وشعبه، كان لا يبحث إلا عمّا يوحّد، ولا يفرق إن تعصّب، تعصّب للحق والصواب، ستبقى دماء لطفي ومحمد نوراً لكل المجاهدين، وناراً بإذن الله على المحتلين، رحم الله والدتنا أم الشهيدين، أم صدقي التي أكرمها الله بهذين البطلين اللذين سبقاها إلى الله ونسأله أن يجمعها بهم في الفردوس الأعلى.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020