يلفظُ أنفاسه الأخيرة كأنفاسه الأولى... وُلِدَ حراً وعاش حراً ومات حراً، لم يُبالِ أن كان جائعاً أو مطارداً أو مقموعاً... لم يلتفت نُصِرَ أم خُذِل، لم يغترّ انتصر أم انتصر... فهو على كل الحالات منتصر... لكنه فقط كان يُبالي أن لا ينكسر، حتى عبر سالماً درب المشقّة والنكد والكربات... ليصل إلى فسحة الفردوس بلا حدود...
الرقم 237... رقم كبير لاسم كبير... لكنه أيضاً رقم عجزٍ وألمٍ كبير... الشهيد الشيخ خضر عدنان حمله بجدارة... ومرارة... بعد إضراب 87 يوماً... للمرة الرابعة... فلم تصل رسالته في جولته الأولى 2012، وتم تكريمه أنه "المفجّر"... ولم تصل رسالته المرة الثانية 2018... وتم تكريمه أنه "الأيقونة"... ولم تصل رسالته المرة الثالثة 2021... وتم تكريمه بأنه "القيادي"... ولا يعرف إن كان قد وصلت رسالته هذه المرة، وقد تم تكريمه بأنه "الشهيد".
سجِّل: أنا عربي... وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف {وقد أتى}... تسعة أطفال أكبرهم في سن 14 عاماً... وأصغرهم يبلغ عاماً... لن يستطيع إنسان أن يشرح لهم كيف قضى والدهم شهيداً في ظل الثورة والفصائل مقيداً في سجون الإحتلال مضرباً عن الطعام... عظّم الله أجر عائلته وشعبه... ولا عزاء لمن جاء يسجّل مواقف في سجلات العجز برفع صورة وكتابة الأغاني له وتبنّي تصريحاته...
رأس الأولويات اليوم استشهد، وسلم الأولويات تفكك، 4800 أسير يبدو أنهم تلقوا صفعة شديدة وهزة إيقاظ أخرى من أوهام ظنّوها يوماً ما آمالاً، لن يصمتوا فهذا مؤكد... ولكن يبدو أن الكرّة عليهم... وأن الفرصة التاريخية المنتظرةَ مجهولةَ الماهيةِ أخذت من أعمارهم وأرواحهم أثمان باهظة يعزّ سدادها، وتنفّسُهم الحرية على محكّ الفناء... ليس تشاؤماً ولكن توصيفاً أفصح وأوضح من أي مقال، ربما فُهِمَتْ "نم في سلام" للطرف الخطأ... فأطال نوماً فيما أرّق السهر والألم صاحبها المفترض...
كلّ تبرير في استشهادك يا خضر... ساقط... وكلُّ عزاءٍ لا يثأر لك... بارد... وكلّ سياسة تركتك... خيانة، وكلّ شعبك يتامى دون أبنائك... وكلّ شهيدٍ أسيرٍ ونحن في حيرةٍ وألم وانكسار.