في ثمانينات القرن الماضي، كانت فلسطين على موعدٍ مع جريمةٍ صهيونيةٍ نازية جديدة، حينها أقدم بعض ضباط شاباك العدو، وبقرارٍ من أعلى قيادتهم على إعدام اثنين من الفلسطينيين، من عائلة (أبو جامع) بعد أن تم اعتقالهم، والسيطرة عليهم وهم أحياء، وهي القضية التي باتت تُعرف في الأدبيات الصهيونية بقضية [الباص 300]، فقد أظهرت صورة لأحد الصحافيين، تم التقاطها على حين غفلةٍ، من عصابات الشاباك، الشابين وهما على قيد الحياة، يقتادهما رجال الشاباك، ولولا هذه الصورة لبقيت الرواية الرسمية على كذبها وادعائها، أنّهما قُتلا أثناء الاشتباك داخل الباص، والحقيقة التي تجلّت لاحقاً، أنهما أُخذا إلى أحد السهول البعيدة، وتم إعدامهما بأبشع الطرق.
هذه الحادثة ليست الوحيدة، خاصة إذا أدركنا أن سياسةَ الإعدام بعيداً عن الإعلام، جزءٌ أصيلٌ من العقيدة الأمنية الانتقامية الصهيونية، ولكل جهاز من أجهزة الأمن الصهيونية ثقبٌ أسود، يختفي خلفه ويُخفي فيه جرائمه، وكان آخر ضحايا هذا الإجرام، الشهيد (محمد العصيبي) الذي أعدمته شرطة الاحتلال، في ساحات المسجد الأقصى، في الأول من نيسان الحالي، مُدعيةً أنّه حاول خطف سلاح جنودها، فأردَتْه قتيلاً بعد أن استدرجته إلى مكان [ثقب] يعرفه الجنود تماماً، ولا تلتقطه الكاميرا المثبتة على مقربةٍ منه، إمّا لأنها أُطفِئت سلفاً، أو لمعرفتهم أنها ستُمسح فوراً بقرارٍ سيادي، وهي ليست وحدها فحتى الكاميرات المثبتة على صدور الجنود، لم تسجِّل شيئاً، وأُغلق التحقيق مثبتاً جرم الشهيد وبراءة المجرم، هذا بالرغم من أن القدس وحواريها مليئة بالكاميرات السرية والعلنية، التي تصوّر كلَّ شبر فيها إلا الثقب الأسود الذي أعدّه الجزّارون للإعدام بدم بارد.
وهنا يجدر بنا القول، أن سياسة الثقوب السوداء، ليست حكراً على أجهزة أمن العدو في كل شوارع فلسطين، وروابيها فقط، بل هي أيضاً جزءٌ أصيلٌ من سياسة العدو ضدنا نحن الأسرى الفلسطينيين، ففي كل سجن من سجون العدو ثقب أسود، يعرفه ضباط السجن، ويمارسون فيه أبشع جرائمهم، ففي عام 2012 على سبيل المثال، اقتادت الشرطة الصهيونية الأسير القائد عباس السيد إلى مكانٍ لا يراهم فيه أحد، وقاموا بضربه بوحشية، وبالرغم من آثار الكدمات التي بقيت عليه لفترة طويلة، إلا أنهم لا زالوا ينكرون الحدث حتى يوم الناس هذا، وهو ليس وحيداً، فها هو الأسير الشهيد، عزيز عويسات، الذي لا زال جثمانه أسيراً لدى العدو، كان قد سُحب إلى زنازين سجن إيشل، وفي ثقب أسود هناك تم الاعتداء عليه بوحشية أدخلته المستشفى، مما تسبّبَ بارتقائه شهيداً بعد ذلك بأيام، وهم لا زالوا ينكرون رغم شهادات من سمع الأصوات من أسرى كانوا قريبين من المكان، وبرغم شهادة الشهيد نفسه عندما تم نقله من السجن إلى المستشفى.
وما هذه النماذج إلا نذر يسير من آلاف الجرائم، التي تحدث داخل السجون، يتم فيها الاعتداء على الأسرى، جسدياً ومعنوياً في إطار تنفيذ سياسة الإعدام بدون إعلام، ولا أدل على ذلك من أن نعلم أن السجون ومنذ العام 1967، لم يتم محاكمة أيّ سجّان على جريمة ارتكبها بحق الأسرى الفلسطينيين على كثرتها.
ومن المهم الإشارة أنّ أهم الثقوب السوداء، داخل سجون الاحتلال، تلك الأقسام التي تعرف بأقسام العزل الانفرادي، ففيها تُرتكب الجرائم، وفيها يجرد الإنسان من إنسانية، وفيها تتجلى الوحوش بأبشع صورها، وفيها يقتل الأسير دون أن يموت.