انجلتْ مؤخراً غمامة حالت أو ضلّلت كثيرين عن رؤية حقائق الأمور، لكنّها للأسف لم تكن غمامة سجن وقيود وظلم لتثبت جدارة الأسرى بالحرية، ولكنّها غمامة التضليل والمراوغة الصهيونية عن القصد الحقيقي لعدوانه على الأسرى، إذ لم تكن الإجراءات والتضييقات والاعتداءات والقمعات إلا محاولة إلهاء تكشفت أخيراً، وبان الهدف المراد ضد الأسرى، وهو الإعدام، وبشكل تشريعي قانوني فجَّ في تحدٍّ صارخٍ للقانون الدولي وتجارب التحرر، والأخطر أنه استقوى بصمت الصامتين ومكث أسرى أكثر من عشرين وثلاثين وأربعين عاماً دون أن ينتصر لهم أحد...
من سيعدمون؟! إلا ثائراً حراً باع دينه ونفسه لله، ونفر بما يملك وما يستطيع ذوداً عن الأقصى والمقدسات والدماء والأعراض والمنازل والأراضي والحرائر والأطفال، من سيعدمون إلا من غارَ على دين الله وحرماته المنتهكة، وكسر تجبُّر الطغاة والغزاة، وصمد رغم تخلّي القريب وتآمر الأخ والجار، من سيعدمون إلا الذين زلزلوا الأرض تحت الكيان وبان أمام العالم إجرامه وهشاشته، فما وجد قراراً في هذه الأرض، وظلّ في منازعة نهايته التي باتت وشيكة محتمة، سيُعدم الذين منعوا بأعمارهم الصفقات والتنازلات، وأفشلوا المؤامرات والمخططات، وقبلوا أن تكون أعمارهم فداءً لبناء جيش التحرير المنتظر، لقد أرادَ المحتلُّ الأسرى مثلاً للعجز واليأس والندم والفشل، فإذا هم منارات شعبهم، وحِرابُ القضية وأقلامها، ونجوم نخبتها وقيادتها، فلم يجد مناصاً من كشف المستور حول نيّة الإعدام... ولم يعد الأعظمُ مخفياً...
ألا لا أغمض الله جفناً رمش خوفاً، ولن يكون إن تمّ الأمر إلا تكرار مشهد الثلاثة المتسابقين عطا وجمجوم وحجازي، ولكنها حسرة في النفس أن نَصيرَ إلى حكم وغدٍ ونتن وحقير، وقد انكفأت عنا أفذاذ العرب؟! ألا كم تمنينا الشهادة في ساحات الوغى وعمليات الثأر وتحرير الأرض، وقد خضناها بجسارة... سقط بجانبنا الشهداء بينما أثخنتنا الجراح وتكاثرت علينا الغزاة فأُسرنا، كم عزَّ علينا أن نصل هذه اللحظة بعد قضائنا السنين الطويلة في مراغمة العدا خلف القضبان في سير إلى بصيص نور آخر نفق عتمتنا نعود به إلى مياديننا، وإنّ الذين يُناقشون هل سيُنفذ القانون أم لا... لا تزال الغمامة على أعينهم، نحن لم نُسَلِّم رغم كل شيء... ولن نكون ذبائح يتباهى بها جزارو الإحتلال... واحرقة نفس الشاعر الأسير:-
أَتُمَدُّ لابنِ حَقيرٍ أيدي حقده؟!
وتقيم مشنقةً لنا الأقزام؟!
تالله لا كانت دمانا حرّةً
وأبيَّةً إن طُبِّقَ الإعدامُ
فكما بدأنا بالجهاد طريقنا
فلنا الشهادة مغنم وختامُ
فليعلم الأحرار أن رفاقهم
يستنصرون... فحبّذا الإقدامُ