يمكن القول بأن هناك ثلاثة عوامل رئيسية، تجعل الخبير والمتابع للشأن الإسرائيلي الداخلي، ولطريقة اتخاذ القرار في دولة الاحتلال، ومن ثم لطبيعة الصراع بين الفلسطينيين والمحتلين، يتوصل لنتيجةٍ مفادها بأن برامج وخطط بن غفير التي أعلن عنها مرارًا وتكرارًا ضد الفلسطينيين عمومًا، وضد الأسرى داخل سجون الاحتلال خصوصًا، ومنها ما تم تنفيذه بإغلاق المخابز ومحاربة الأسرى في رغيف الخبز، وكذا قراره الأخير بتخفيض وتقييد "أبسط عملية إنسانية" وهي استحمام الأسرى إلى ثلاثة دقائق فقط لكل أسير، هذه الإجراءات لن تكتمل وسيكون مصيرها الفشل، كما كان مصير قرارات وزير الأمن الداخلي السابق 2019 جلعاد أردان.
والسؤال ما هي العوامل التي ستؤدي لهذا الفشل؟
وما هو الثمن الذي سيدفعه الأسرى لإسقاط وإفشال سياسة الفاشي بن غفير؟
إن استعداد الأسرى الفلسطينيين العالي لمواجهة القرار والدفاع عن مكتسباتهم هو العامل الأول من بين العوامل الثلاثة التي ستسهم في إسقاط خطط بني غفير تجاه الأسرى، خاصة وأنهم سيواجهونها موحدين بقيادة لجنة وطنية عليا تضم كافة الفصائل وقد بدأوا فعلًا في سجن نفحة بعدم الانصياع للسجان بالأمس 14-2 ، وسوف تتوسع هذه الخطوات الدفاعية لكافة سجون الاحتلال بإرهاق السجان، واستنزاف قواه التي لم يفلح بن غفير بإسنادها بالميزانيات والقوى البشرية كما وعد وأعلن؛ بل زادها سوءًا بقراره المتعلق بالمخابز والذي سيكلف سلطة السجون حوالي 7 مليون شيكل إضافية.
ولقد أثبتت التجربة بأن وحدة واستعداد الأسرى للتضحية والمواجهة قد حققت نتائج ملموسة وأحبطت العديد من الهجمات في السابق وما هجمة أردان 2019، إلا مثالًا واحدًا.
العامل الثاني في إفشال بن غفير هو الانقسام الواضح في الموقف الإسرائيلي ضد الأسرى، حيث يبدو الوزير بن غفير "وحده في الميدان" فالمستوى السياسي الأول والرئيس وهو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اضافة إلى المستوى المهني المختص ويشمل قادة الجيش والاستخبارات العسكرية ورؤساء الشاباك وحتى قادة سلطة السجون بين "الشاباص" يعارضون خطط بن غفير من حيث الشكل والمضمون والتوقيت، وذلك لاعتباراتهم الخاصة وبفهمهم الأوسع لمصالح دولتهم الهالكة، لذا فمن المرجح ألا يدعموا بن غفير في خططه؛ بل قد يمنعونه من الاستمرار بها إن اشتعل الميدان، أو رجّحوا بأنه سيشتعل.
أما العامل الثالث الذي يسهم في إفشال خطط بن غفير من خلال ضغطه وتأثيره على اعتبارات نتنياهو السياسية، وتقديرات أجهزته الأمنية، أي أنه العامل الذي يصنع العامل الثاني، ويتفاعل مع العامل الأول بصورةٍ جدلية حتى يصنع النصر للأسرى ويكتب التراجع لابن غفير وأيدولوجيته المتطرفة، هذا العامل هو تعهد المقاومة الفلسطينية عمومًا، والغرفة المشتركة في قطاع غزة على وجه الخصوص بأنها ستقف إلى جانب الأسرى الفلسطينيين من خلال تعزيز معادلة: المساس بالأسرى يعني جولة قتالية تدفع فيها دولة الاحتلال أثمانًا لا يمكنها تحمّلها ودون جدوى تذكر لها.
فهذه عوامل ثلاثة يغذي أحدهما الآخر؛ ليوصل إلى نتيجة واضحة مفادها انكفاء بن غفير في موضوع الإساءة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
لا يعني فشل بن غفير أمام الأسرى أنهم لن يدفعوا ثمنًا معينًا في مقابل ذلك، فمواجهة السجان ورفض إجراءاته تعني بالضرورة المزيد من التضحية من قبل الأسرى، فهم سيتعرضون للقمع والتنكيل واقتحامات القوات الخاصة وسيتم منعهم من أبسط حقوقهم في الخروج لساعة واحدة فقط لساحة الفورة اليومية (التمشي)، وقد يتم منعهم من زيارة الأهل وشراء حاجياتهم الأساسية من الكانتين وقد تحدث اشتباكات وضرب وقمع، وقد يخوضوا اضرابا عن الطعام، ولكن وفي كل الأحوال فإن اجتماع العوامل سالفة الذكر؛ سيخفف من تكاليف المواجهة بصورةٍ كبيرةٍ جدًا.
دوافع بن غفير
ينطلق وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير في عدائه وكراهيته للأسرى الفلسطينيين على وجه الخصوص من منطلقات أيدولوجية عمياء وزائفة أكثر منها منطلقات ودوافع عملياتية تحكمها المصالح والمفاسد والأرباح والخسائر، كما يفعل نتنياهو وقادة أجهزته الأمنية، وإلا فإنّ كلا الجانبين يتمنون لأسرى ورموز الشعب الفلسطيني الويل والثبور.
لذا إجراءات بن غفير لا تتميز بالتفاهة وحسب (ثلاثة دقائق استحمام للأسير!! على سبيل المثال) بل تتميز بأنها أيضًا غير عملية وكثيراً بأنها غير واقعية وقد تكون تكاليفها أو خسائرها على الاحتلال أكبر، كما أنها تتميز بأنها شعبوية مخصصة لجمهور بن غفير من المتطرفين وأتباع الحاخام مئير كاهانا الذين ينظرون للعرب بعنصرية واحتقار شديدين، فكيف بالعربي المناضل الذي يقع بين أيديهم أسيرًا؟!
قيادة نتنياهو في امتحان الأسرى
من المتوقع أن يشكّل تراجع بن غفير أمام صلابة الأسرى الفلسطينيين امتحانًا آخرًا للفرضية السائدة والتي يسوّقها ويقدّمها نتنياهو للأمريكان والعالم، والتي تبدو حتى اللحظة منطقية وواقعية إلى حد ما وهي أن من يحدد سياسات الحكومة هو نتنياهو، وليس سموتريتش وبن غفير وتيار الصهيونية الدينية المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية، كما ظهر في اضطرار بن غفير للتراجع عن هدم مبنى كبير في القدس، وعن جزء من استفزازاته بالنسبة للمسجد الأقصى، وعدم قدرته على تطبيق كل ما يدعو إليه أو يطالب به علنًا كحصار مخيم شعفاط في القدس وتوسيع الاعتقال الإداري والإبعاد، وطرد عائلات منفذي العمليات أو كل ما يؤدي لتصعيد أمني مباشر، وذلك على الرغم من تحدي الفلسطينيين لبن غفير بموجة عمليات صعبة لم يسبق لها مثيل؛ أدت لمقتل 11 إسرائيلي خلال أسابيع معدودة فقط.
بن غفير إذن ليس بدعًا من أصحاب الأيدولوجيات الزائفة والبراقة ممن يتساقطون في الامتحان العملي، ويتحطمون على صخرة الواقع وموازين القوى المتداخلة والمعقدة باستمرار.
كف الأسرى وتغطية الاستيطان
ولكن في المقابل فقد نجح المستوطنون الفاشيون برئاسة بن غفير وسموتريتش بانتزاع قرار كابينت قبل يومين ببناء ما يقارب الـ 10.000 وحدة استيطانية نصفها للمراحل الأولى، والنصف الآخر لاستكمال المراحل النهائية للبناء، ويشكّل ذلك ذروة جديدة ولم يسبق لها مثيل في الاستيطان دفعة واحدة، وذلك فيما يبدو كتعويض من نتنياهو لـ(بهدلة) بن غفير المتكررة ،بالطبع على حساب الحق الفلسطيني ،وبناءً على تقدير نتنياهو أن الاستيطان ليس سببًا أو محفزًا للتصعيد الفوري أو المباشر كالأسرى وهدم البيوت وغيرها، الأمر الذي يشكل خروجًا وشذوذًا عن الفرضية السائدة بريادة وقيادة نتنياهو لمقاليد الأمور في الحكومة ، الأمر الذي تسبب بحملة استنكار أمريكي ودولي واسعة قد تدفع إسرائيل ثمنًا سياسيًا وقانونيًا معينًا لها ،شريطة نجاح القيادة الفلسطينية في استثمارها وانتهازها في المحافل الدولية، أي ومرة أخرى لا يوجد نضال بلا مناضلين ولا استثمار دون مستثمرين ،سيفعلها المستثمرون في نضالهم داخل السجون، فهل يفعلها المستثمرون في تعاونهم مع المحتلين؟ أشك في ذلك.