صعود اليمين الصهيوني لمركباته العلمانية الدينية والقومية وحلفائهم من الحرديم شرقيّهم وغربيّهم على السواء.
تتمة العدد في المشهد الائتلافي الحكومي الجديد برئاسة نتنياهو العائد بعد غياب قصير عن الموقع الرئاسي دون الغياب عن المشهد السياسي العام يعيد للإرهاب بعض التساؤلات الجدلية في الجانب الفلسطيني حول جدوى كل من نموذج المقاومة في قطاع غزة وامتداده إلى عناصر المقاومة في الضفة الفلسطينية الثائرة، رغم المعيقات والموانع الذاتية والموضوعية ومدى تشكيل هذا النموذج التأثير والتغيير اللازم في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني، أمام النموذج الآخر المشكل من بقايا منظمة التحرير بفصائلها الشكلية الغير فاعلة ومن يدور أيضًا في فلك سلطة رام الله الوظيفية التي تعمل على مدار الساعة على إنهاك الشعب الفلسطيني والروح المقاتلة فيه، وإعادة هندسة وعيه بما يتناسب مع مقاس العدو الصهيوني، باعتباره الآمر الناهي والمتحكم بلجام هذه السلطة حول إمكانية هذا النموذج من إدارة المناطق التي ينتشر فيها على فسيفساء الضفة الفلسطينية في ظل سياسات الاستيطان وتهويد الأرض الفلسطينية وقتل وتدمير الإنسان الفلسطيني، والسعي المحموم لإحلال المستعمر الصهيوني بدلًا منه.
بين هذين النموذجين فإن الأول قد فرض معادلة المقاومة اعتمادًا على القوة المسلحة والصمود الشعبي المتفاعل مع مشروع المقاومة، أمام غطرسة العدو الصهيوني ليصبح بذلك مشروعًا مقاومًا صانعًا بذلك لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني المقاوم، نقطة ارتكاز متقدمة تعمل على فرض الوقائع الوطنية والاستحقاقات الشرعية على المشروع الصهيوني الاستعماري وحلفائه محليًّا وعالميًا، والعمل أيضًا على الحد من التوسع الاستعماري الصهيوني في الجنوب الفلسطيني على الأقل في قطاع غزة وغلافه الأمني، بالإضافة إلى التأثير على سياسات العدو الصهيوني التهويدية في عموم فلسطين، وبالأخص في القدس العاصمة أو المسجد الأقصى فيها، وقد يكون الأهم من كل ذلك هو التقويض المشروع الصهيوني بكافة مركباته، وجعله مكلفًا جدًا على كافة الصعد، أما الثاني فإنه يعمل كما هو الملاحظ والناتج عنه على إفراغ الشعب الفلسطيني من مضمونه الوطني المقاوم، عبر البدائل ذات الخصائص والمركبات الوطنية بشكله العام كالحديث عن حل الدولتين، استنادًا لاتفاقيات أوسلو وغيرها، واستئناف المفاوضات على نفس الخلفية والمطالبات الجوفاء من حماية دولية وآخرها إرسال دوريات أممية لمراقبة الميدان في الضفة الفلسطينية، وما يرتكبه الاحتلال من جرائم، إلى درة هذا النموذج ألا وهو الدعوة الزائفة للمقاومة السلمية التي لا شكل ولا مضمون لها في إنجازات سلطة رام الله في تعارضها مع سياسات التنسيق الأمني، والفعل الوظيفي المناط بهذه السلطة، كل ذلك استكمالًا لمشروع الاستسلام الذي تعمل هذه السلطة على تثبيته حثيثًا لتقوم به المشهد السياسي والوطني في الضفة الفلسطينية نحو الهاوية، بالإضافة إلى مزيد من الضعف والاختراق لصالح المشروع الصهيوني وتثبيت سلطة الأمر الواقع ذات الحكم الشمولي المطلق التي تحتكر السلطات الثلاث ليد رئيسها ومستشاريه، واستخدام أدوات غير قانونية على الصعيد الوطني كالتنسيق الأمني ومنع المقاومة والاعتقال السياسي إلى عدم تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي الداعية إلى وقف التنسيق الأمني وغيره، سيتم بذلك تهميش القضية الفلسطينية باعتبارها أصبحت بدون أدوات قوة تعمل على تثبيتها في الميدان، كما أن هذا النموذج يقدم مسألة التنسيق الأمني والعلاقة مع العدو الصهيوني باعتباره الأساس الوظيفي المشكل لهذه السلطة الذي يحد من إمكانية تمثيل السلطة لأي دور آخر غير هذا التكوين الوظيفي.
وعليه ماذا يقدم كل نموذج. الملاحظ حول نموذج المقاومة أنه يمتلك أوراق قوة متعددة وفعاليات يمكن إنجازها على الصعيد الوطني بما يخدم الهدف التحرري، على مدار السنوات الماضية استطاع أن يكوّن مجاميع جهادية مسلحة في قطاع غزة، وتطوير قدراتها العملياتية التي كان أبرزها ما حققته المقاومة في معركة (سيف القدس 2021) التي افترضت فيها معادلات جديدة على العدو الصهيوني من قبل المقاومة الفلسطينية لم تكن موجودة سابقًا، كما أن هذا النموذج متحرر من أي قيود مالية وسياسية مع العدو الصهيوني، بالإضافة إلى وحدة الأرض وسلطة الحكم في قطاع غزة الذي قدم لفصائل المقاومة الإمكانيات والأدوات التي تسمح لها بأن تمتلك السيطرة على الأرض، ومنه امتلاك القرارات الوطنية المستقلة والفعاليات الميدانية بحسم ما يمليه الواجب الوطني عليها وضرورة الواقع، بخلاف نموذج سلطة رام الله الذي رهن نفسه للشرعيات المشبوهة كالتي حصل عليها من خلال اتفاق أوسلو، والملاحق الأمنية التي قدمت معادلة التنسيق الأمني، والذي يشكل العمود الأساس الذي يسند السلطة ويمدها بعوامل الحياة، كما أنها رهنت نفسها للملحق الاقتصادي -ملحق باريس 1994- التي قيدت نظام رام الله المالي لصالح الاستعمار الصهيوني و متطلباته الظالمة، هذا وقد فقدت شرعية المقاومة التي أمدتها منظمة التحرير الفلسطينية لسنوات طويلة التي تعتبر أهم شرعية يؤمن بها الشعب الفلسطيني باعتباره ما زال واقعًا فعليًا تحت الاحتلال الصهيوني، وفقدت أيضًا سبب وجودها المتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، التي أدت إلى فقدان الأهداف المرحلية والنهائية، والتخلي عن الميثاق الوطني واحتكار السلطات الثلاث، وإلغاء أي شكل ديمقراطي، واستبدال كل ذلك في قرار مرسوم صادر عن رئيس السلطة في رام الله صاحب السلطة المطلقة واستفحال حكم الفرد بالصيغة العلمية المشهورة عن أنظمة الحكم العربية الديكتاتورية، إذًا ما البديل؟
بعيدًا عن السرديات والتحليلات المعمقة فإن البعض يعتقد أن البحث عن جهة توحد الشعب الفلسطيني تحتها، على أساس مقاومة الاستعمار الصهيوني وتحرير البلاد باعتبار أن ذلك هو المبدأ الجامع نظريًا هنا للأمن الفلسطيني، وما المحاولات الأخيرة التي واجهتها سلطة رام الله بالقمع والإرهاب عندما تم عقد مؤتمر الشعب الفلسطيني في ساحات عدة في نفس الوقت والتي كان منها محاولة عقده في مدينة رام الله التي تم قمعها واعتقال المنظمين والقائمين عليها، بالإضافة إلى عقد مؤتمر فلسطيني الخارج منذ سنوات لتنفيذ ساحة الخارج وما تحويه من ملايين الفلسطينيين أصحاب الطاقات الكبيرة والأمل الذي لا ينقطع عن العودة إلى الوطن فلسطين.
هذا ما يؤكد الرغبة في عودة الأمور إلى نصابها وصياغة شكل النظام السياسي الفلسطيني بما يتوافق مع المبدأ الجامع للكل الفلسطيني النابع من الاحتياج اللازم والمتصاعد وطنيًا الداعي إلى تجاوز سلطة رام الله وما توفره من عبء على القضية الفلسطينية وفرض معادلة المقاومة والرفض لكل ما تم توقيعه من اتفاقيات أوسلو وما تبعها وتشكيل حكومة وطنية تعبر عن المقاومة الفلسطينية ومقرها قطاع غزة، تعمل من خلال مركباتها الفصائلية والمستقلين وغيرهم على فرض معادلاتها السياسية التي تم حصرها حتى اليوم في قطاع غزة، لتشمل الجسم الفلسطيني بكافة أماكن تواجده داخل الجغرافيا الفلسطينية وخارجها، ليكون مؤتمر الشعب الفلسطيني الـ14مليون ومؤتمر فلسطيني خارج وتحالف فصائل المقاومة المسلحة الرافعة لهذا المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار بعض المطالب الداعية إلى إحياء منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الانتخابات وغيره، الذي أصبح الحديث عن هذا الخيار يومًا بعد يوم بعيدًا عن الواقعية والموضوعية لفعل تحكم رئيس المنظمة، واحتكام كافة السلطات بيديه الذي منع من قبل الانتخابات التشريعية عام( 2021 ) هو من تنكر لنتائج الانتخابات( 2006 )كما أنه من متطلبات الفعل الوظيفي لهذه السلطة قام بإلغاء وحل المجلس التشريعي المنتخب لصالح احتكار كافة السلطات بيديه. وبقاء السيادة الفعل الوظيفي الذي تقوم به هذه السلطة.