هل هي من نسج الخيال أم من ثقل الواقع المرير؟.. هل فعلاً قد تحدث في تاريخ العالم؟ أم أنها مجرد تخيلات بلغت بكاتبها ما بلغت؟.
في فلسطين كل شيء ممكن!.. فقد تصل معاناة الأسير إلى درجة أن يرزق بحفيدته من ابنته التي كانت جنيناً حين اعتقل على يد الاحتلال قبل عشرين عاما.. ليست خيالا ولا فبركة، هي حياة كل عائلة فلسطينية ذاقت ويلات الاعتقال والزنازين وفوقها الظلم والفراق.
الأسير رمضان مشاهرة من بلدة جبل المكبر في القدس اعتقل بتاريخ 6/7/2002م وكانت زوجته حاملاً بابنتها شهادة في الشهر السادس مع ما حملته تلك الفترة من ثقل وهم، فبُعد الزوج عنها ومضايقات الاحتلال كانت كفيلة أن تحول هذه الأيام إلى كابوس مستمر لا تستفيق منه.
وتقول أم حمزة زوجة الأسير لـ مكتب إعلام الأسرى إن الشهور الأولى من اعتقاله كانت من أصعب الأوقات التي مرت عليها بسبب تفتيش الاحتلال عدة مرات لمنزلهم ومداهمته وترويعها هي وابنتها سلسبيل التي كان عمرها عامين فقط، وكانت خائفة من الإجهاض بسبب ذلك.
وعندما وضعت الزوجة طفلتها "شهادة" كان والدها في زنازين التحقيق ولم يعلم بأن ابنته قد ولدت إلا بعد عدةِ أسابيع، وأسمتها أمها شهادة بناءً على رغبته سابقاً حيث كان ذلك في أوج انتفاضة الأقصى.
وتضيف:" آلمني عدم وجوده بجانبي وقد كان واقفاً إلى جانبي يُمسك بيدي عندما وضعتُ ابنته البكر سلسبيل، حُكِمَ على زوجي لاحقاً بالسجن المؤبد عشرين مرة، وهدم الاحتلال بيتنا وبقيتُ مع ابنتي أُعاني من التنقل بين البيوت".
رغم كل هذا الألم إلا أن الأم أعطت كل اهتمامها لتربية ابنتيها أشد الإهتمام حتى لا تَشعُرانِ بِغياب والدِهما، وظلَّ الأسير يتابع طفلتيه عبرَ الزيارات والرسائل ويكتب لهما واجبات ويكلفهما بمهمات لتشعران بالمسؤولية، فنشأتا بفضل الله عز وجل نشأةً إسلامية حسنة .
وتقول الزوجة:" أذكر أن زوجي تفاجأ عندما كانت الطفلتان في المرحلة الابتدائية بأن مصروفهما اليومي في المدرسة أقل من بقية الطالبات، فأمر بزيادته فوراً والمفاجأة الكبرى أن رفضت سلسبيل وشهادة هذه الزيادة بحجة أن المصروف يكفي، حينها أدركنا نجاح تربيتهما".
مرّت الأيام والسنوات الطويلة القاسية في غياب الأب، وتزوجت الابنة الأولى التي أجل زفافها مراراً على أملِ صفقةٍ تجعلُ أباها يسلمها بيدهِ إلى زوجها، ثمَّ تَزوجت شهادة وها هي هذه الطفلة التي كانت جنيناً في أحشاء أمها تضعُ طفلتها زَينب بعدَ أكثر من عشرينَ عاماً.. ووالدها ما زالَ أسيرا.
توضح أم حمزة أن فرحتها كانت لا تُوصف، فقد اعتبرت زَينب هي طفلتها الثالثة، حيث حاولت قبلها الزراعة خمس مرات بواسطة ما يُعرف بالنطف المهربة ولم تنجح في ذلك.
أما الأسير المغيب المقهور.. فكانت فرحته تخترق أسوار السجن اللعينة، ومن شدة شوقه لحفيدته اشترى أغراض "الحلوان" قبل شهر من ولادتها ينتظر ويسأل يوماً بعد يوم، وعندما ذهبت شهادة صباحاً الى الولادة علمَ بذلك وجهّزَ الكعك بيديه لإخوانه الأسرى في القسم ولكن انقطع عن التواصل مع العائلة، فلم يصبر ووزع الحلوان بعد العصر ظناً بأن زينب قد ولدت ولكن ولادتها تأخرت أربع ساعاتٍ بعد توزيعه.
تشير الزوجة إلى أن الأسير رفض في البداية أن ينادي الطفلة زينب بـ "سيدو" وأصرَّ على كلمة "عمو"، فهذا الرجل الذي أمضى نصف عمره في السجون كيف يعتاد على حفيدة وهو لم ير ابنته؟! ولكنه في النهاية سلّمَ بالأمر الواقع بأن عليه عبور أجيال وهو أسيرٌ في بطنِ الحوت..