في الآونة الأخيرة اشتغل الإعلام الصهيوني لمتابعة مجموعات "عرين الأسود" وفعالياتها المقاومة ومدى تأثيرها وتأثرها بالمجتمع الفلسطيني وكيفية تحولها إلى نموذج، وحتى نفهم خلفية الإعلام الصهيوني وتناوله لظاهرة "عرين الأسود" تقدم هذه السلسلة من المقالات بعض الملامح التي يجب الانتباه لها جيدًا ونحن نتعامل مع الإعلام الصهيوني لعدة اعتبارات لا على الحصر منها: أن هذا الإعلام يعود في أدبيته إلى مرجعية شاملة وجامعة لكل ما يشكل ويركب الكيان الصهيوني الاستعماري المستند إلى مشروع الحركة الصهيونية القائمة على مبادئ ومرتكزات من اللازم أن تكون معلومة للجميع؛ لذلك علينا التذكير بها دائمًا حتى نبقى على اتصال واعي لكل ما يحاك لنا، ومنتبهين للمخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني وقضيته المباركة.
وتشمل هذه المبادئ مركزانية العقل الصهيوني الموروثة على المركزانية الأوروبية القائمة على العنف والقهر والاستيلاء وتصنيف الآخر والتمايز معه، وصولًا إلى إلغائه والعمل على نفيه، وهو هنا "الكل الفلسطيني"، وتقوم أيضًا على الإستيطان الإحلالي الاستعماري وفردانية العرق اليهودي المقدس عند أصحابه، الذي يعتبر باقي أعراق البشرية تحت مفهوم الدونية والاحتقار وغيرها الكثير من محددات الحركة الصهيونية التي تشكل أيضًا الإعلام الصهيوني باعتباره جزءًا أصيلًا من المشروع الصهيوني.
وللمفارقة هنا يتبنى الإعلام العبري إحدى أخطر النظريات الإعلامية التي سطّرها وأنشأها المتحدث باسم ألمانيا النازية " غوبلز " التي أصبحت تعرف باسمه وتقوم على أن:
1. الرأي الأول هو الرأي السائد.
2. مهما كان صوتك قويًا فأنت بحاجة إلى قوة خلفك.
3. السيطرة على وعي الناس.
4. أن تكرار الفكرة أو الخبر سيؤدي إلى أن يتعامل الناس معها على أنها حقيقة.
هذا ويتجنب الإعلام الصهيوني دائمًا إلى جانب المؤسسات الصهيونية المختلفة ضد القضايا الفلسطينية بما يخدم النظرة الشاملة والرواية الموجهة إلى الجمهور الصهيوني من أجل تشكيل وعي موجه زائف يتم من خلاله هندسة الجمهور الصهيوني في محاولات لا تنقطع من تشويه للحقائق باستعارات كاذبة وقيم أخلاقية مدّعاة التي لطالما تقهقرت وبان زيفها أمام سطوة الواقع الذي يفرض معادلته العادلة رغم كل شيء.
ويأتي كل ما سبق في سياق المعركة المفتوحة التي يخوضها الكيان الصهيوني في كل المجالات ضمن مظلة أيديولوجية صهيونية قاهرة تعمل بكل قوتها على سحق الرواية الفلسطينية في تكامل بين الإعلام العبري المصنف "بالكيان" باعتباره مؤسسة مدنية، وبين المؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية التي تدير المشهد الإعلامي والسياسي وغيرها من كل الزوايا؛ سعيًا لتحقيق الهدف الذي يخدم المشروع عبر تقديم خطاب الهيمنة الصهيونية المركزاني في مواجهة كل ما يقابله ويناهضه ويعمل على مقاومته، ويتم ذلك عبر الضابط الأساسي القائم على النظام المعرفي الصهيوني المرتكز على الثقافة الأمنية والتلاحم التاريخي مع السّردية الصهيونية والربط الدائم مع الدين كمقدس لا يمكن تجاوزه كونه المؤسس للرؤية والرواية الصهيونية المعاصرة.
لذلك فإن ما يقدمه الإعلام الصهيوني من خطاب السيطرة والهيمنة المتوافق مع السردية الصهيونية الاستعمارية يعمل من أجل الوصول إلى أن يسيطر على أدوات تفكيرك لوضعك في مسار محدد لإعادة تشكيلك وتنميطك بما يتلائم والأحداث الأمنية المرسومة لذلك سعيًا كما أشرنا سابقًا في خدمة المشروع الصهيوني الاستعماري.
وعليه ونحن نتابع الإعلام الصهيوني بكل مركباته وأدواته علينا أن نستحضر كل ما تم تقديمه هنا في قراءة متفحصة ومتأنية بكل ما يُذكر عبر الإعلام العبري كي لا نقع في براثن خطابه الاستعماري الموجه الذي يعمل على تضليل الحقائق وتزييف الوقائع.
الخطورة هنا تكمن فيما يتم تضمينه في الأخبار والمتابعات الإعلامية حول مجموعات "عرين الأسود" من معلومات استخباراتية موجهة ومضللة من قبل أجهزة أمن العدو الصهيوني بهدف التلاعب أو إرباك المقاومة الفلسطينية ومشروعها النضالي الفريد.
لاحقًا يتم أخذ تغذية راجعة من قبل تلك الأجهزة الأمنية عبر عدة وسائل منها ما يتم نشره من مواقف وبيانات ومقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يقدم عبر العملاء الذين تسللوا في جنح الظلام من أجل الحصول على المعلومات الذهبية، وصولا إلى ما يتم تلقيه من سيل المعلومات التي لا تقدر بثمن عبر التنسيق الأمني الذي تقوم به أجهزة أمن رام الله التي تعمل على مدار الساعة على وئد ظواهر المقاومة الفلسطينية خدمة للمشروع الصهيوني الاستعماري.
هذا وبعد الحصول على تلك المعلومات تقوم أجهزة أمن الكيان الصهيوني بقراءتها وتحليلها وتشكيل الخطط العملياتية التي من خلالها يمكن استهداف المقاومة الفلسطينية في مواقع تجمعها وفي عقر دارها، وإنهاء الهدف المرصود بتحييده عبر الوسيلة المناسبة لذلك الحذر ثم الحذر من الاعلام الصهيوني الاستعماري.
يتبع مقال ( 2) ...