لماذا تغيب فريضة إطلاق الأسرى في العقد الأخير؟
يتفق الجميع نظريًا بأن إطلاق سراح الأسرى من سجون العدو هو واجب وطني وحتمي، وفريضة شرعية ودينية وأخلاقية، وذلك في أقصر مدة زمنية ممكنة، فالنبي المرشد محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (فكوا العاني) كما أن مصالح المقاومة الحقيقية والحيوية وغير الموهومة تقتضي ذلك، فالأمر واجبٌ عيني على دوائر الاختصاص، فإن عجزت؛ اتسعت الدوائر بالتدريج حتى تصل لكل الجماعة أو المؤسسة أو الشعب، فتسخير الموارد اللازمة لتحقيق الهدف واجبة وما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب.
فلا عذر لأحد من المقاومين، ولو تم دفع أبهظ الأثمان، فلا ثمن يعادل حياة وحرية إنسان، -فما بالك بمئات البشر- قد خرج عن كل شيىء طيب خاطر وضحى بكل ما يملك من أجل الدفاع عن حرية وكرامة الأقصى ورد الاعتداء الغاشم عن أبناء وطنه وشعبه، هذا هو الحكم الأصلي لإطلاق سراح الأسير، كما أنها بيعة الجنود لقادتهم، ووعد وعهد القادة لمن حرضوهم من الجنود على القتال.
إنّ ما يجري لأسرى الشعب الفلسطيني وخاصة أولئك الذين قضوا وما زالوا يقضون في الأسر والقهر سنوات طوال: ككريم يونس ونائل البرغوثي ومحمود عيسى وأيمن سدر وغيرهم المئات، يخالف هذا الواجب ويؤكد مقولة (الفريضة الغائبة)، فكيف يحدث هذا في أرض الرباط، وبلاد البطولات والتضحيات ومن شعب الهمم والعزائم المعروفة؟!
لا يمكن تفسير ما يحدث بأن أمر إطلاق الأسرى أو تبادل الأسرى هو أمر "غير ممكن" أو "شبه مستحيل" في العقد الماضي، فالأمر مجرب وصفقات التبادل والتي كان آخرها في العقد قبل الماضي "2011" خير شاهد ودليل، كما لا يمكن تبرير هذا الغياب بأن العدو مجرم ويرفض ويعاند، فهذا متوقع ومفهوم، والواجب يتطلب إجباره بما تمتلك المقاومة من أوراق ونقاط قوة، كما لا يمكن القول بأن رجال الشعب الفلسطيني ومقاومته يخشون مواجهة العدو، أو دفع الأثمان المطلوبة؛ من أجل مبادئهم ومواقفهم المشرفة، فالمقاومة قد أثبتت بالتجربة أنها ليست كذلك.
قد يمكن تفسير سبب الغياب بفقه الأولويات والموازنات فالقدرات موجودة، والإمكانات متوفرة والاستعداد للبذل والتضحية ودفع الأثمان، عالٍ ومتميز، فتبقى إذن القناعة والرغبة القائمة على فقه الأولويات، فهناك ما هو أهم لدى بعض قادة الشعب الفلسطيني، فوفق رأيهم بإمكان الأسرى أن ينتظروا، وفي حالة المرضى أن يُستشهدوا؛ لأن هناك مصالح مهمة يجب أن تمر بسلام، ولأن هناك مفاسد (أثمان) ستدفع، ولا بد من تجنبها في هذه الفترة على الأقل، وهذا تفكير وقرار خاطئ، لا يتناسب مع حركة تحرر وطني وإسلامي. إنّ مقاومتنا الطاهرة والحبيبة مطالبة بمواجهة هذا الواقع وأن تضع له حلًا ملائمًا، فثقة الأسرى وعائلاتهم، كما ثقة جماهير شعبنا بها ما زالت عالية ويحظر عليها ان تضع هذه على محك الاختبار.