من فوق الركام رُفع العلم الفلسطيني مجددا ليحكي قصة تحدٍ ما زال صداها يتردد في أرجاء الضفة الغربية، وليعلن للعالم أن الصمود لا يُختزل بجدران منزل أو حديقة وأسوار بل هو منغرس في القلوب كي يبقي أجيالا مقاومة على قيد الحياة.
هذه المرة تشبه مرات كثيرة سابقة ولن تكون المرة الأخيرة، فهدم منازل الأسرى الفلسطينيين سياسة يتبعها الاحتلال في محاولة للردع والترهيب، ولكنه لم يدرك بعد أن الوطن وترابه أغلى من منزل رغم ما يحويه من ذكريات كثيرة، ولم يعلم كذلك أن الأسير وفعاله هو شخص "رفيع المستوى" لدى الفلسطينيين.
"يهدمون ونبني"
عشرات الآليات العسكرية الصهيونية اقتحمت بلدة رمانة غرب مدينة جنين وحاصرت منزلي الأسيرين أسعد الرفاعي وصبحي صبيحات، وبعد ساعة تقريبا من الاقتحام شرعت بهدم المنزلين بواسطة الجرافات وسوّتهما بالأرض.
الهدم الذي طال المنزلين بشكل كامل انتهى بعد ساعات طويلة؛ وانسحبت آليات الاحتلال من البلدة بعد وقت طويل من المواجهات مع الشبان الذين حاولوا إيقاف عملية الهدم، ولكنها السياسة الصهيونية التي يجب أن يطبقها الجنود وهي عقاب جماعي للأسير وعائلته وحتى أبناء بلدته.
والد الأسير أسعد الرفاعي كان يسير بين حجارة منزله الذي شيده بتعب السنوات وشقاء عمره، وينظر إلى كل زاوية وكأن عيناه تحكيان عشرات الذكريات التي ضمها هذا البيت وعلى رأسها تلك التي كانت مع أسعد منذ ولادته وحتى اشتد عوده وصار شابا يثأر لأقصاه ومسرى نبيه.
ويقول الوالد:" منذ تنفيذ أسعد وصبحي عملية إلعاد والاحتلال يهدد بهدم المنزل ولم نستبعد حدوث ذلك، ثم سلمونا إخطارا بالهدم ونفذوه ولكنهم لم يعلموا أن هذا الهدم لا يؤثر فينا، فنجلي أهم من كل المنازل وحريته الآن هي كل تفكيري وأمنياتي، أما بالنسبة للمنزل فنبني غيره، هم يهدمون ونحن نبني".
وتوضح العائلة أن هدم المنزل كان متوقعا فقامت بإخلائه من الأثاث والمحتويات في وقت سابق، ورغم قسوة المشهد إلا أنها ترفض المساومة والاستسلام أو التخلي عن النهج الذي رسمه أسعد وصديقه.
وتشير إلى أن سياسة هدم المنازل لن تكون عقبة في طريق الفلسطينيين أمام معركة التحرر التي يقودونها للخلاص من الاحتلال.
عقاب غير مجدٍ
بالطريقة ذاتها عبرت عائلة صبيحات عن مشاعرها بعد هدم منزلها، فالحجر ليس أغلى من البشر، وفعال الأسيرين ما زالت حديث الفلسطينيين وحتى أوساط الاحتلال ذاته.
وتقول العائلة بعد انتهاء عملية الهدم إنه كان متوقعا وأن المنزل وهبته فداء للقدس والمسجد الأقصى الذي انتقم له ابنها بعد انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه فيه.
وأكدت العائلة أن هدم المنازل عقاب غير مجد ينتهجه الاحتلال في محاولة لوقف العمل المقاوم، ولكنه أثبت فشله أمام أجيال الفلسطينيين المتدفقة نحو معركة التحرير.