طرقات ثقيلة على باب منزلهم أيقظت كل من فيه؛ كان أولهم الطفل أحمد (١٢ عاما) الذي أمضى ليلته على كنبة الجلوس في غرفة المعيشة، فالعلاج الكيماوي الذي يتناوله لقهر مرض السرطان يجعله هزيلا متعبا طيلة الوقت.
عشرات الجنود انتشروا في المنزل ما إن فتح لهم الباب والده حجازي القواسمي (٣٨ عاما)؛ وفور أن رآهم نظر إلى طفله الملقى على الكنبة ليبادله النظرات المتعبة والتي حملت معنى واحدا كأنه يقول له "سامحني يا طفلي.. سامحني يا صغيري فالبعد عنك قسري"!.
"أحضر هويتك.. أنت رهن الاعتقال".. لم تكن كلمات اعتيادية أبدا رغم تكرار الاعتقالات بحقه؛ فهذه المرة جاء اعتقاله في ظل مرض طفله البكر بالسرطان في العظام، وهو ما جعله ينحني أمامه ويقبّله في صورة هزت صاحب كل ضمير على أنها قبلة الوداع!
الوالد الصابر
منذ ستة أشهر تم تشخيص أحمد بإصابته بمرض السرطان في العظم؛ كانت صدمة في أوساط العائلة ولكنها المحتسبة الصابرة التي عاشت الفقد عدة مرات.
ويقول حسن شقيق المعتقل حجازي القواسمي لـ مكتب إعلام الأسرى إن الطفل سافر في رحلة علاج لتركيا عاد منها قبل شهر واحد، وأن وضعه الصحي صعب وما زال في بداية العلاج.
الطفل الذي يتناول جرعات العلاج الكيماوي أنهك جسده وبات لا يستطيع الحراك أو الوقوف على ساقيه؛ وهذا ما جعل والده رفيقا له في كل شيء؛ فهو يعتني به ويدعمه نفسيا ويشعره بالقوة اللازمة لمواصلة العلاج.
ويوضح حسين أن شقيقه كان من شدة التضامن مع نجله؛ يحلق شعر رأسه كي لا يشعره أنه مختلف أو أنه يعاني من أي مرض، وهو ما كان يرفع من معنويات الطفل ويرسم ابتسامة على وجهه.
الطفل ما زال يتوجه لمستشفى المطلع بشكل مستمر لتناول العلاج الكيماوي؛ ولكنه في هذه الليلة بالذات كان متواجدا في منزله، ليشهد على ظلم الاحتلال وقهر السجن.
ويصف عم الطفل وضعه النفسي بعد اعتقال والده بأنه منهار نفسيا؛ وشرع بالبكاء الصامت منذ ساعات الفجر متسائلا طيلة الوقت عنه ومناديا عليه.
اعتقالات منهِكة
هذا الاعتقال هو الرابع الذي يتعرض له الأسير حجازي القواسمي؛ حيث اعتقل ثلاث مرات سابقا أمضى خلالها ما مجموعه ثمانية أعوام.
ويضيف شقيقه بأنه متزوج ولديه أربعة أبناء؛ وكان حين رزق بطفله البكر أحمد سماه تيمنا على اسم شقيقه الشهيد القسامي أحمد القواسمي، كما أنه شقيق الشهيد القسامي مراد القواسمي واللذان استشهدا بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٦.
ليس ذلك فحسب بل إن هذا الرجل الصابر؛ هو شقيق الأسير حسام القواسمي المحكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات والذي اعتقل عام ٢٠١٤ بسبب تخطيطه لعملية أسر وقتل ثلاثة مستوطنين في الخليل، كما له شقيق أسير آخر هو حسين القواسمي المحكوم بالسجن المؤبد، وكان شقيقهم محمود تحرر في صفقة وفاء الأحرار عام ٢٠١١ إلى قطاع غزة.