دقائق ثمينة قاسية يسرقها الأسرى من سجانيهم؛ بعضهم يحولها إلى أيام وأعوام والبعض لم يُكتب له ذلك، فتاريخ الأسر حافل ببطولاتهم وهم المقيدون بكل قيد والمكبلون بكل سلسلة كي تحجب عنهم الحرية.
لم يدر السجان أن تلك تسري في عروقهم؛ فلولا بحثهم المتواصل عن الحرية لما كانوا أسرى الأجساد فقط، عقولهم حرة وأفكارهم حرة وقلوبهم حرة أكثر، يبحثون عن بقعة الأمل في كل زاوية، يحفرون الصخر حرفيا ليضيئوا لنا منارات التحرر فنكتبها ونحفظها ونعلمها لأجيال بعدنا.
التحرر من الموت
تداول نشطاء كثر مقاطع مصورة وصورا لأفلام تمثيلية تحكي قصص تحرر سجناء؛ ولعل العقل الطبيعي لا يستوعب فكرة أن تكون هذه العمليات حقيقية؛ فالسجون المحصنة من الصعب أن يتمكن السجين من الفرار منها، ولكن في فلسطين كل شيء مختلف، والإرادة تصنع المستحيل حرفيا.
حكاية نفق الحرية أعادت للأذهان عمليات تحرر ناجحة وأخرى نالت شرف المحاولة على مدار عقود طويلة؛ فالأسير المقاوم "أبو درة" وهو يوسف جرادات قاد أول عملية تحرير للأسرى الفلسطينيين في عام ١٩٣٨ من سجن "عتليت" البريطاني، وتمكن من العودة لمقاومة الانتداب حتى استشهاده.
وفي عام ١٩٨٧ سطّر ستة أسرى عملية التحرر الكبير من سجن غزة المركزي وهم مصباح الصوري، محمد الجمل، سامي الشيخ خليل، صالح اشتيوي، عماد الصفطاوي، خالد صالح، فيما تمكن ثلاثة أسرى
من التحرر من سجن نفحة في العام ذاته، وفي عام ١٩٩٠ تمكن الأسير عمر النايف من تحرير نفسه من أحد المستشفيات الصهيونية بعد اعتقاله، ليسافر إلى خارج فلسطين؛ ثم تغتاله يد الغدر الصهيونية في السفارة الفلسطينية ببلغاريا عام ٢٠١٦.
وفي عام ١٩٩٣ تمكن خمسة أسرى من التحرر من سجن الظاهرية جنوب الخليل بقيادة القسامي جهاد غلمة، وفي عام ١٩٩٦ نجح الأسير صالح طحاينة من جنين في التحرر من سجن النقب واستشهد لاحقا خلال مقاومة الاحتلال.
وفي نفس العام حاول عدد من الأسرى تحرير أنفسهم عبر حفر نفق في سجن عسقلان بقيادة الأسير القسامي القائد محمود عيسى؛ ولكن الاحتلال اكتشف النفق وعاقب الأسرى بسلسلة عقوبات؛ وفي العام ذاته نجح الأسيران غسان مهداوي وتوفيق الزبن بالتحرر من سجن "كفار يونا".
وفي عام ١٩٩٨ حاول 24 أسيرا التحرر من سجن شطة عبر حفر نفق بطول 20 مترا، ولكن إدارة السجن اكتشفت ذلك وعاقبتهم بالعزل والنقل والتنكيل.
وفي عام ٢٠٠٣ تمكن الأسيران مهنا زيود وبلال ياسين من جنين كسر قيدهمت من سجن عوفر غرب رام الله، كما نجح ثلاثة أسرى في العام ذاته من حفر نفق بطول ١٤ مترا والتحرر من سجن عوفر وهم رياض خليفة الذي استشهد لاحقا وأمجد الديك وكلاهما من بلدة كفر نعمة برام الله، والشهيد خالد شنايطة من بلدة العبيدية ببيت لحم.
نفق الحرية
وجاءت صفعة الاحتلال الأخيرة حين نجح ستة أسرى بالتحرر من سجن جلبوع صبيحة يوم الإثنين ٦/٩/٢٠٢١ بعد حفر نفق بطول عدة أمتار في عملية عقدت الأمن الصهيوني وأذرعه المختلفة.
ويعتبر الاحتلال عمليات تحرر الأسرى صفعة قوية لأجهزته الأمنية يعقبها تحقيقات تطيح بشخصيات كبيرة بدءا من إدارة السجون الصهيونية وصولا إلى قيادات سياسية وأمنية رفيعة.
وما زال الاحتلال يقلب الأرض بحثا عن الأسرى الستة: زكريا الزبيدي ومحمد العارضة ويعقوب قادري وأيهم كممجي ومحمد عريضة ومناضل نفيعات؛ وجميعهم من جنين.
أما في كل بيت فلسطيني فلم تهدأ الاحتفالات؛ لأن كل عائلة جربت مرارة الأسر واكتوت بنار الشوق، وأصبحت عملية نفق الحرية درساً تاريخيا أن السجون والتحصينات لن توقف الإرادة عن طلب الحرية لحظة واحدة.