ما زالت السيدة أسماء الحوتري تعد الأيام والسنوات لعودة زوجها إلى منزله بعد غياب طال لتسعة عشر عاما، وما زالت تجدد الأمل في قلبها ليوم تُكسر فيه قيود السجان الصهيوني وتعود فرحة البيت الغائبة طويلا.
وتعيش عائلات الأسرى المحكومون بالسجن المؤبد ذكرى اعتقالهم بحرقة وأمل متجدد بالإفراج عنهم في صفقات مشرفة تخرجهم من مدافن الأحياء إلى حرية وميلاد جديدين .
الأسير رائد حوتري من مدينة قلقيلية والمحكوم 22 مؤبدا مضافا إليها 100عام ، اعتقل بتاريخ 21/3/2003م بعد محاصرته في بيت مهجور في الحي الغربي لمدينة قلقيلية ، وتم إطلاق الرصاص عليه بهدف قتله، وكان الجدار القديم الذي احتمى به بمثابة السترة الواقية له .
وتقول زوجته د. أسماء حوتري لـ مكتب إعلام الأسرى :" بالنسبة لي هذا التاريخ مؤلم جدا، فالخبر جاء في بداية الأمر أنه استشهد برصاص وحدات خاصة في بيت مهجور في قلقيلية وأن القوات الخاصة اختطفت الجثة ، حيث كان مطاردا وقتها لمدة عامين ، وبعد فترة قصيرة تبين انه جريح وتعرض للضرب وهو ينزف من قبل قبل الطبيب العسكري".
تلك الأنباء المتضاربة كانت بالنسبة للعائلة كالصاعقة بين شهيد وجريح ومصير مجهول، فالاحتلال كان يخطط لإعدامه وهو مطارد، لأنه حسب المعلومات المتوفرة أنه مسؤول عن عملية "الدلفيناريوم" التي نفذها الشهيد سعيد الحوتري في تل أبيب وقتل فيها 22 مستوطنا وجرح أكثر من 170 آخرين.
وتوضح الزوجة أنه بعد أن ثبت نبأ اعتقاله استقرت النفوس قليلا؛ وجاء دور الخوف والقلق عليه من تحقيق عسكري قاس قد يودي بحياته، فهو يعاني من ضعف شديد في البصر ويحتاج إلى زراعة قرنية؛ ومن مرض النقرس وغيرها من الأمراض.
محكمة الاحتلال أصدرت بحق الأسير حكما قاسيا لمدة 22 مؤبدا ومائة عام، وهو صاحب أعلى حكم في محافظة قلقيلية.
عنوان التضحية
اعتقال رائد جاء حين كانت طفلته تبلغ من العمر عاما واحدا، واليوم هي فتاة تفخر بوالدها وترقب يوم حريته.
وتقول ابنته حور التي حفظت القرآن الكريم منذ عدة سنوات وهي على أعتاب الثانوية العامة:" انا فخورة بوالدي ، فهو صاحب إرادة قوية ، وتاريخه النضالي يجعلني أرفع رأسي به امام زميلاتي وامام كل الناس ، فعندما يعلمون أنني أبنة الأسير رائد يزيد احترامهم لي، فهو عنوان للتضحية والعطاء من اجل فلسطين وانا لم اعرفه إلا من خلف القضبان".
أما الشاب مقداد حوتري النجل الأكبر للأسير والطالب في الجامعة فيقول :" يوم اعتقال والدي له ذكريات كثيرة ، فهو يذكرنا كيف واجه قوة خاصة مدججة بالسلاح ، وكيف استطاع ان يختفي منهم ، ولولا جرحه لما استطاعوا أن يعتقلوه ، فقصة مطاردته وحادثة اعتقاله وصموده في أسره يمكن تدوينها في صفحات تاريخ الشعب الفلسطيني ، فنحن عشنا حياة مليئة بالأحداث ، سواء بعد صدور الحكم عليه وعدم موافقة الاحتلال على الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار ، باعتباره من الأسرى من العيار الثقيل حسب تصنيف مخابرات الاحتلال، واقتحام الاحتلال لمنزلنا ومصادرة مركبة والدتي ومصادرة حتى مصروفنا اليومي ".
أما المحرر أنيس شريم الذي اعتقل مع الأسير رائد حوتري فيروي قصة ضربه من قبل الطبيب العسكري.
ويوضح لـ مكتب إعلام الأسرى :"في يوم اعتقاله اعتقلت معه وكان الأسير الحوتري يصرخ من شطايا الرصاص التي هشمت وجهه وعند نقلنا لمركز تسوفيم الاستيطاني، بدأ الطبيب بضربه على جروح وجهه، وعندما انتقلنا إلى مركز توقيف قدوميم عزلوه في غرقة بعيدة ومنعوا عنه الطعام وحذروا الأسرى من تقديم الطعام له، وبعد ساعتين نقلوه إلى التحقيق ".
ولكن العائلة ورغم هذا الجرح الغائر لم تستسلم للألم؛ فخلال فترة أسره الطويلة حصلت زوجته على شهادة الدكتوراة وأتمت حفظ القرآن، وقاموا ببناء منزل جميل لاستقباله فيه، كما أتمت حور حفظ القرآن ودخلت الجامعة، وحصل نجله مقداد على جوائز رياضية في مجال رياضة الكراتيه في الأردن، لتحول الألم إلى أمل.