كيف لفتاةٍ أن ترتبط بأسيرٍ محكومٌ عليه بالمؤبدات التي لا تنتهي ، كيف تعشق قلبه المأسور داخل قفصٍ حديديّ لا تعلم متى ينفك هذا الحديد ومتى ينتقلان من عش الأسر إلى عش الزوجية في حريةٍ وسلام وأمان وكيف لأسيرٍ معزولٍ يعيش داخل زنزانةٍ صغيرة أن يرتبط بفتاة من الممكن أن ترتبط بشخص آخر وتعيش معه دون انتظار ومحن وترقب وأنه يعلم بارتباطه بها أنه سوف يظلمُها وهي ترى فيه حريتها وسعادتها .. ترى غفران زامل الفتاة الثلاثينية والأسيرة المحررة من زنازين الاحتلال الصهيوني أن حسن سلامة الأربعيني ابن مدينة خان يونس والمحكوم عليه بعشرات المؤبدات أنه كان على مدار سنوات طويلة وقبل دخولها الأسر يمثل لها الحلم الذي تتوق إلى تحقيقه ، كانت ترى فيه كل صفات الشخص الذي تود الارتباط به ، وأنها على يقين أن كل هذه الأحكام إلى زوال وأن موعده مع الفرج قريب وأنها ستلتقي به هنا يتجلى قول الله تعالى : " وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيرا " ، كان هذا الخير باعتقال غفران خلف القضبان لأنه كان بمثابة القدر المحتوم لارتباطها بفارس أحلامها وملهمها حسن سلامة ارتباطها بحسن كان بمثابة الحلم الذي تعيشه لسنوات طويلة قبل اعتقالها لكن هذا الحلم كان في حينها أشبه بالمستحيل ، إلى أن قدّر الله لها الاعتقال في السجون الإسرائيلية وخلال اعتقالها التقت بالأسيرة المحررة أحلام التميمي والتي ارتبطت بابن عمها الأسير المحرر نزار التميمي داخل سجون الاحتلال والتي أبلغتها بمحبتها للارتباط بالأسير حسن سلامة في حينها وصلت رسالة لحسن سلامة داخل المعتقل من أحلام التميمي تقول فيها : "هل بالإمكان أن يكون لي نصيب بأن أختار لك شريكة حياتك" ؟ لأنها كانت تعتبر أن أصحاب المؤبدات العالية يجب أن يكون زواجهم غير تقليدي وكان ما لها أن ألّفت بين قلبين أسيرين خلف القضبان لم يمانع حسن بعد استغرابه من فحوى الرسالة ولم يخفي اعجابه بهذه الفتاة التي استعدت أن ترتبط بأسير موجود منذ سنوات خلف القضبان والأسلاك الشائكه وزاد ذلك بروعه الفكرة وأن هناك فتاة ما زالت تذكره وتفكر الارتباط به فوافق على شريكة حياته التي تقدمت لخطبته بنفسها ومرّت الأيام والليالي وتبادلا الرسائل الجميلة داخل الأسوار والتي تحمل الحب والشوق الكبيرة والمعاني الفريدة والحياة الجديدة ليعيش كلاهما على أمل اللقاء ، فقد خططا لأدق التفاصيل لحياتهما ومستقبلهما وكأن اللقاء سيكون غدا يمر اليوم سبعة سنوات علي ارتباطهما ولم تلتقِ غفران بحسن منذ أن تم ارتباطهما داخل السجن ولم تره إلا من خلال الصور التى تصلها من داخل زنزانته . خرجت غفران من المعتقل وتركت خلفها قلبها الأسير على أمل أن تلتقي به في ساحات الحرية ليعيشا معاً حياتهما خارج أسوار السجن السوداء وليحققا ما رسماه وهما بداخله هنا يتجلى تحويل المحنة إلى منحة من خلال زواج هذه الأرواح التي كُتب لها الموت داخل السجون الصماء ، تحولت المعاناة و العذابات التي يحياها الأبطال خلف القضبان .. من سجنٍ و عزل ، وتعذيب في أقبية التحقيق ، وحرمان من أبسط مقومات الحياة إلى حياة جديدة ممكن من خلالها أن يعيش الأسير ولو بالروح والقلب مع من أحب هنا صنع الأسيران حباً وأملاً وصل إلى حد الهذيان .. فنسيا معه السجن والسجان يعيش اليوم الكثير من أمثال حسن وغفران ، يعيشون على أمل أن الله سيكتب لهم الفرج القريب ، ومن ثم الأمل بالمقاومة التي لم ولن تنسى أسراها في سجون الاحتلال وخير مثال على ذلك صفقة وفاء الأحرار والتى لم تكن النهاية وإنما بداية التحرر لأسرانا.